على رغم التأكيدات الرسمية أن موازنة العام 2019 لن تطال الطبقات العمالية ذوي الدخل المحدود، تستمر الإضرابات العمالية والنقابية في أكثر من قطاع، وآخرها الإضراب الذي أعلن عنه موظفو المصرف المركزي، وما يمكن أن يكون له من تأثيرات مباشرة على كامل القطاع المصرفي، وذلك على خلفية أن هذه الموازنة لم تخلُ من “قطب مخفية”، من شأنها إذا ما اقرّت أن تكرّس مبدأ الاستخفاف بالمال العام، وتعمّم ثقافة التهرب الضريبي، الذي يجمع المعنيون على أن هذا التهرّب يسهم في إدخال البلاد في حال العجز الدائم، مع غيره من المخالفات، التي تضع المالية العامة على حافة الإنهيار.
ويسأل الذين ينزلون إلى الشارع عن الأسباب التي حدت بالمسؤولين إلى فصل الإجراءات التقشفية عن الموازنة، وهي التي تتضمن، وفق الخبراء الإقتصاديين، العديد من الإجراءات الضريبية التي يصفونها بأنها “غير عادلة وغير مُنصفة”، وهي تحتوي على الكثير من الإعفاءات، منها ما هو واضح ومنها ما هو “متستر”.
ومن بين المواد، التي تعتبر بمثابة افخاخ”، والتي تضمّنتها الموازنة ، المادة 23 التي تلحظ تعديل قانون ضريبة الدخل المفروضة على أرباح المهن التجارية والصناعية وغير التجارية، على نحو تبدأ الضريبة من نسبة 4 في المئة، ارتفاعاً إلى 25 في المئة، مقسمة على ست شرائح، على أن تبلغ نسبة الضريبة على الشريحة الأعلى أي لمن تتجاوز أرباحه 225 مليون ليرة نسبة 25 في المئة من أرباحه، في حين أن أرباح شركات الأموال تخضع لضريبة نسبية قدرها 17 في المئة فقط.
أما المادة 26 فتفرض رسماً إضافياً على رسوم السير السنوية، المتوجبة على السيارات السياحية الخصوصية من كل الفئات التي تحمل لوحات 3 أو 4 أو 5 أرقام، على الشكل التالي: 500 ألف ليرة عن كل سيارة تحمل لوحة من 3 أرقام و250 ألف ليرة عن كل سيارة تحمل لوحة من 4 أرقام وكل رقم مميز، و100 ألف ليرة عن كل سيارة تحمل لوحة من 5 أرقام، في حين يطرح سؤال عن السيارات التي تحمل لوحة من رقمين، أي لوحات النواب، ولماذا هم معفيون من رسوم السير؟
وتفرض المادة 30 ضريبة دخل بنسبة 10 في المئة على فوائد وعائدات وإيرادات الحسابات الدائنة كافة المفتوحة لدى المصارف، بما فيها حسابات التوفير (الإدخار)، باستثناء الحسابات المفتوحة باسم الحكومة والبلديات واتحادات البلديات والمؤسسات العامة لدى مصرف لبنان، وحسابات البعثات الدبلوماسية والقنصلية الاجنبية في لبنان، وكذلك على فوائد وعائدات الودائع وسائر الالتزامات المصرفية، بأي عملة كانت، بما فيها تلك العائدة لغير المقيمين، باستثناء الودائع بين المصارف الخاصة.
أما المادة 41 فتجيز إجراء تسوية على التكاليف المتعلقة بالضرائب، التي تحققها وتحصلها مديرية المالية العامة المقدمة أمام لجان الاعتراضات، بمعنى أنه، بصورة إستثنائية، تسوى التكاليف المتعلقة بالضرائب التي تحققها مديرية المالية العامة المعترض عليها أمام لجان الاعتراضات، والتي لم يتم البت بها، وتحدد قيمة التسوية بـ50 في المئة من قيمة الضرائب المعترض عليها فقط، من دون غرامات التحقق التي كانت متوجبة.
وهذا البند، كما يصفه الخبراء، شديد الخطورة، لأن الدولة تعفي فيه كل من اعترض بنسبة 50 في المئة من قيمة الضريبة، بصرف النظر إذا كان محقاً باعتراضه أو غير محق، وبذلك تكون الدولة قد فتحت الباب للتهرب من سداد 50 في المئة من الضريبة.
وبموجب المواد 31 و32 و33 و34 و35 و36 وسواها، يتم تخفيض غرامات التحقق والتحصيل التي تتولى مديرية المالية العامة فرضها وجبايتها. وتبلغ قيمة الخفض 90 في المئة، كما يتم تخفيض بنسبة 90 في المئة من الغرامات المتوجبة على أوامر التحصيل، الصادرة عن الدارات العامة والمؤسسات والبلديات وغيرها، ويتم تخفيض الغرامات المتوجبة على رسوم الميكانيك والرسوم البلدية. والأسوأ من كل ذلك، تخفيض الغرامات وزيادات التأخير المترتبة على اشتراكات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي بنسبة 90 في المئة.
وفي هذه المواد تساوي الدولة بين الملتزم سداد الضرائب والرسوم وبين من يتهرب من سدادها، بحجة تشجيع المتخلفين على السداد. إلا أن سياسة خفض الغرامات بهدف التشجيع على السداد رائجة في كافة دول العالم، لكن بنسبة لا تزيد عن 40 في المئة وليس 90 في المئة. فالإعفاء بنسبة 90 في المئة من الغرامات من شأنها أن تشجع المكلفين من الشركات الكبرى على التأخر بالسداد والحفاظ على سيولتها، بانتظار الإعفاءات من الغرامات.
وهكذا يستمر وضع البلد على حاله، في إنتظار ما ستقرّه الحكومة، وما سينتج عن حركة الإضرابات، التي تجتاح مختلف القطاعات العمالية والإنتاجية.