بعد العودة عن قرار تأخير تقديم السّاعة، والإعلان رسميًّا عن بدء العمل بالتّوقيت الصّيفي اعتبارًا من ليل الأربعاء- الخميس، وتجاوُز لبنان قطوعًا كان يمكن أن يخلّف تداعيات صعبة وخطرة، أشارت صحيفة “الجمهوريّة” إلى أنّ “التطورات التي تسارعت في الايام الاخيرة، وما رافقها من صراخ وتوترات على أكثر من خط داخلي سياسي وطائفي، يبدو انها قاصرة عن مجاراة او اللحاق بالتطورات والحراكات المكثفة، والخطى الخارجية المتسارعة اكثر من أي وقت مضى على الخط الرئاسي يبدو انها سبقت الداخل؛ وقرّبت الملف الرئاسي اكثر من دائرة الحسم النهائي وانتخاب رئيس للجمهورية”.
وركّزت على أنّه “اذا كانت بعض القراءات السياسية قد قرأت في الصخب السياسي الذي ساد في الايام الاخيرة، وتفاعل على حلبة تقديم او تأخير الساعة، صراخاً مفتعلاً، وغضباً كبيراً يخفي خوفاً أكبر من امور تجري في الخفاء بين الفرنسيين والسعوديين وبمباركة الاميركيين، قد تفرض وقائع رئاسية مغايرة لكل المنطق السيادي، فإنّ الاحاديث داخل الغرف الدبلوماسية متقاطعة جميعها على أنّ “ما يجري من مشاورات حول لبنان، وخصوصا بين الفرنسيين والسعوديين، ليس بالامر الشكلي، بل هو حراك في منتهى الجدية، لا يعبّر فقط عن موقف فرنسا والسعودية، بل هو محصّن ايضاً برغبة كلّ الدول الصديقة للبنان، في اعادة انتظام مؤسساته وسلطاته السياسية والدستورية؛ بما يؤسّس لإنعاشه اقتصاديا وماليا”.
وذكرت الصّحيفة أنّ “وفقاً لما يقال في الغرف الدبلوماسية، فإنّ أصدقاء لبنان قد وضعوا ثقلهم بزخم اكبر هذه المرة، لمساعدة لبنان على إنجاز انتخاباته الرئاسية وتشكيل حكومة، وعلى ما بات واضحاً ربطاً بذلك، فإنّ فرصة انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان باتت ممكنة اكثر من السابق، وينبغي في هذا السياق ان يتمعّن اللبنانيّون بعمق في “الرسالة” التي يبعث بها الاتصال الاخير بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان. إضافة الى رصد الحراكات المرتبطة بالمستجدات الاخيرة في المنطقة، لا سيما ما يتعلق بالاتفاق السعودي الايراني”.
التعجيل بالانتخاب
أكدت مصادر دبلوماسية من العاصمة الفرنسية باريس لـ”الجمهورية”، أنّ “الجانبين الفرنسي والسعودي متّفقان على تمكين لبنان من تجاوز محنته، والتعجيل في انتخاب رئيس”، كاشِفةً عن أنّ “ما حصل في الايام الأخيرة (سجال الساعة والخطاب الطائفي)، قد أثار مخاوف كبرى من ان ينزلق الوضع في لبنان الى واقع شديد الخطورة على كل المستويات، وباريس والرياض يعتبران انّ الضرورة مُلحّة لبلورة مخرج مشترك يُراعي المصلحة اللبنانية من كل جوانبها؛ وهما يعملان في هذا الاتجاه”.
وعما اذا كان في الافق لقاءات ومشاورات فرنسية سعودية وشيكة، لفتت المصادر الى ان “ثمة خطوات قريبة جدا ستلي حتماً الاتصال بين ماكرون وبن سلمان، ليس بالضرورة ان يعقد اي لقاء في باريس، او في اي مكان آخر لإجراء مشاورات جديدة، خصوصاً انّ الجانبين يمكن القول انهما اصبحا في نقاشهما حول الملف الرئاسي في لبنان مراحل متقدمة جدا، والصورة باتت جلية امامهما”.
وشدّدت على أنّه “ليس مستبعداً ابداً، بل متوقع بقوة ان تتسارع التطورات في الايام القليلة المقبلة، ويتبدّى مخرج مشترك سعودي فرنسي يتأسّس عليه توافق لبناني يُفضي سريعاً الى انتخاب رئيس للجمهورية، والبدء بالخطوات التي يفترض أن تليه على صعيد إعادة تكوين السلطة والمؤسسات في لبنان”.
حراكات… وتغييب
أفادت مصادر واسعة الإطلاع لـ”الجمهوريّة”، بأنّ “الوقائع المتسارعة في الاقليم، تؤشّر الى تحوّل حقيقي دَخلته المنطقة مع الاتفاق بين السعودية وايران، والملاحَظ في هذا السياق استعجال الجانبين السعودي والايراني على وضع هذا الاتفاق قيد التنفيذ الفوري؛ وهذا ما يؤكده الجانبان على كل المستويات”.
وأوضحت أنّ “في ما يعنينا نحن في لبنان، فمفاعيل هذا الاتفاق ستصل إلينا حتماً، والأهم ان يقرأ اللبنانيون هذا التحول، من السعودية وايران الى سائر المنطقة وصولاً الى اليمن وسوريا، فالصورة على وشك ان تشهد تبدلا جذريا؛ وبدأ التحوّل يسير وفق ما هو مرسوم له من “الارادة الكبرى” التي ترعاه وتحرّكه. وننصح اللبنانيين بأن يتحضّروا لأن يلاقوا هذا التحوّلات المستارعة في المنطقة، بما يخدم حسم الملف الرئاسي والتعجيل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية”.
وتوقّفت المصادر عند ما سمّتها “ملاحظة شديدة الدلالة سجلت في المشهد الداخلي، تجَلّت في انّ زيارة مساعدة وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط باربرا ليف الى بيروت، اقتصر فيها برنامج لقاءاتها على مسؤولين لبنانيين محدودين، من دون ان تلتقي اي شخصية سياسية ممّن يصنّفون سياديين او تغييريين. اضافة الى تأكيدها حاجة لبنان الى التعجيل بتوقيع برنامج تعاون مع صندوق النقد الدولي، والتعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية، نائية بنفسها عن تسمية او تزكية اي مرشح سيادي كما يريده حلفاؤها في لبنان، او غير سيادي”.
هل هدّد ميقاتي بالسفر وعدم العودة؟
أشارت “الجمهورية” إلى أنّ “مجلس الوزراء سحب بإخراج مدروس، فتيل فتنة حضرت من خارج جدول الأعمال، وفكّك صاعق عبوة الاحتقان الطائفي التي كانت موصولة بساعة تخلٍ… لكن ما كشفه الخلاف حول التوقيت من حقد وكراهية وفرز وهواجس، هو أخطر من ان يعالجه قرار حكومي”.
وركّزت على أنّ “عقارب الساعة لدغت الجسم اللبناني الهش والفاقد للمناعة، فارتفعت حرارته الطائفية فوق المعدلات الموسمية، ولفظت جروحه غير المندملة ما اعتمل فيها من “قيح”. والمفارقة انّ “نزاع الساعة” استطاع بين ليلة وضحاها، تعبئة الطوائف واستنفارها، كما لم يحصل منذ فترة طويلة. فأعلنت عن حالة الاستنفار القصوى، واستدعت “الاحتياط” إلى المواجهة على خطوط الطول والعرض، في حين انّ قليلاً من التدقيق في سيرة المكونات اللبنانية، يُبيّن انّها اساساً سيدة الوقت الضائع والفرص المهدورة؛ وانّ الكثير من الأشهر والسنوات ضاع في انتظار انتخاب رئيس جمهورية او تشكيل حكومة او انتخاب مجلس نواب او حتى تعيين موظف في مركزه”.
ووجدت أنّ “تلك الغيرة المستجدة على الوقت أتت من خارج السياق المألوف، في بلد يقع اصلاً على هامش الزمن، بعدما تقهقر إلى العصر الحجري نتيجة تحّلل مؤسسات الدولة وفقدان خدمات أساسية وبديهية”، مبيّنةً أنّه “لأنّ المسألة لا تتعلق حصراً بمقتضيات الصالح العام، فقد خرج الخلاف حول التوقيت عن إطاره التقني والعلمي المفترض، واتخذ على الفور أبعاداً طائفية متورمة، عكست ما يختلج في باطن النفوس وسرّبت خفايا النيات المضمرة؛ ليتبيّن انّ التعايش الذي نتغنى به ليس سوى قشرة رقيقة تغلّف بلداً مشطورًا”.
وكشفت معلومات الصّحيفة، أنّ “رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي يشعر بالقرف الشديد، كان قد فكّر جدّياً خلال الأيام الاخيرة بالسفر وعدم العودة إلى لبنان، الّا لتسليم دفّة المسؤولية بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية”.
ولفت مطّلعون لـ”الجمهورية”، إلى أنّ “ميقاتي وأضاف الاول في صدد ان ينفّذ تهديده بالتوقف عن تصريف الأعمال، رداً على ما يعتبر انّها حملة طائفية غير مبرّرة ضدّه، لكنه عاد وأعطى فرصة اضافية لنفسه، وتجاوب مع الاتصالات التي أفضت إلى “هندسة” مخرج عبر عقد جلسة للحكومة؛ علماً انّ ميقاتي كان قد انزعج من تصرّف بعض الوزراء وتمرّدهم على قرار تأجيل سريان التوقيت الصيفي”.