لفت الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله، إلى “أنّنا نحيي يوم القدس العالمي، ليكون يومًا لفلسطين، يومًا للمقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة المهدّدة فيها، يومًا للقدس ولبيت المقدس، يومًا لكلّ فلسطين من البحر إلى النّهر، ويومًا لإعلان تضامن الأمّة وأحرار العالم مع فلسطين وشعبها المظلوم. وهو يوم لتذكير الجميع بمسؤوليّته تجاه القدس وفلسطين وشعبها والمقدّسات فيها”، مشدّدًا على أنّه “لا يجوز أن يتهرّب أحد من المسؤوليّة”.
وأوضح، في خطاب بمناسبة “يوم القدس العالمي”، أنّ “هذا الإحياء أو إعلان التّضامن في أكثر من دولة، يبعث برسالتَين قويّتَين: الرّسالة الأولى هي رسالة تعاون ودعم ومساندة للشّعب الفلسطيني الصّامد والصّابر والمظلوم والبطل والرّاسخ، وتقوّي من معنويّاته. والرّسالة الثّانية هي رسالة للعدو بأنّ فلسطين والقدس لم ولن تُنسيا ولم ولن تتركا، وهي تزيد من قلقه وخوفه ورعبه”.
وأكّد نصرالله “أنّنا اليوم نحتفل بثقة ونحن نشعر بالأمان والقوّة والعزّة، ولكنّ الكيان الإسرائيلي أعلن بالأمس استنفاره على كلّ الجبهات، وأرسل رسائل تهديد فارغة لا قيمة لها إلى جميع الدّول المحيطة”، مركّزًا على أنّ “في يوم القدس، محور المقاومة في طمأنينة وثقة، والعدو الصّهيوني في قلق وخوف ورعب، وفي دفاع عن الكيان الّذي سيزول إن شاء الله”.
وذكر أنّ “هناك تطوّرات كبرى حصلت خلال العام الماضي، على المستوى الدّولي، كما على مستوى المنطقة ومستوى الكيان والشّعب الفلسطيني. وعندما نقف أمامها، سيتّضح لنا الموقع الّذي باتت فيه هذه القضيّة والمحور”، مفسّرًا أنّ “على المستوى الدّولي: تراجع القوّة الأميركيّة. لا نقول إنّ أميركا أصحبت ضعيفة أو هزيلة، فهذا غير واقعي، لكنّها لم تعد قويّة كما كانت في الأعوام والعقود الماضية”.
وبيّن أنّ “الشّاهد الأوّل لتراجع القوّة الأميركيّة هي فنزويلا. أميركا كلّها عملت من أجل إسقاط النّظام في فنزويلا، وعملة الأخيرة أصبحت أسوأ بكثير من العملة اللّبنانيّة حاليًّا. إلّا أنّ فنزويلا صمدت، وفشلت أميركا واضطرّت إلى التّراجعبعد حصارها اقتصاديًّا وسياسيًّا”، مشيرًا إلى أنّ “الشاهد الآخر، الّذي أحدث زلزالًا في منطقتنا، هو الهزيمة الأميركيّة في أفغانستان. بعد 20 عامًا من القتال وآلاف الجنود ومئات مليارات الدّولارات والخسائر الفادحة، خرجت أميركا من أفغانستان، وقدّمتها إلى حركة “طالبان” من دون شرط”. ونوّه إلى أنّ “المصيبة كانت في أفغانستان، لكنّ مجالس العزاء كانت في الكيان الصّهيوني”.
ورأى أنّ “انشغال أميركا أصبح في مناطق أخرى، ولم تعد أولويّتها غرب آسيا والشّرق الأوسط. هناك أولويّات أخرى تشغلها، منها المواجهة مع روسيا في الحرب الرّوسيّة- الأوكرانيّة، والصّراع مع الصين الّذي قد يتطوّر إلى حرب”، منوّهًا إلى أنّ “في دول المنطقة والخليج وإسرائيل، الكلّأصبحت لديه قناعة أنّه لا يمكن التّعويل على الولايات المتّحدة لتأمين الحماية”.
وشرح أنّ “التّطوّر الكبير على مستوى المنطقة، هو خروج محور المقاومةبدوله وشعوبهمن الوضع السّابق. خلال 10 إلى 12 سنة، كانت هناك حرب كونيّة على محور المقاومة. حرب تديرها أميركا، وتستخدم فيها دولًا ومنظّمات إرهابيّة وجماعات مجرمة بعناوين مختلفة: حرب، حصار، عقوبات… اليوم هذا المحور خرج من الوضع السّابق بدرجة عالية قويًّا وحاضرًا وفاعلًا،وهذا ما نشهده في مختلف الساحات وهذا مؤثّر في قضيّة الصّراع مع العدو”.
ولفت إلى أنّ “كلّ الرّهان في السّنوات الـ10 الأخيرة كان على انهيار كلّ بيئة في مقاومة وأرضيّة لها، وكلّها فشلت”، مشدّدًا على أنّ “التّطوّرات السّوريّة مهمّة جدًا. عندما نشهد التّعافي في سوريا، مع مستوى عالٍ من الاستقرار، وعودة العلاقات السّياسيّة الطّبيعيّة مع عدد من الدّول العربيّة، والنّقاش حول عودة سوريا إلى جامعة الدّول العربية…هذا التّطوّر في المنطقة، له تأثيرات مهمّة على مسار التّطبيع، إيجابيّة من وجهة نظرنا، فهي في الحدّ الأدنى ستفرمل مسار التّطبيع. وقد ساعد على ذلك، الأداء الأحمق للحكومة الإسرائيليّة الفاسدة والمجرمة”.ووجد أنّ “الاتفاق الإيراني- السّعودي له تأثيرات كبيرة على المنطقة، ونأمل أن تصل قريبًا إلى لبنان”.
واعتبر أنّ “اليوم، من خلال تطوّرات المنطقة، أُقفلت أبواب على رهانات خطيرة وكبيرة جدًّا كان يعوّل عليها كيان العدو. فهمكانوا يتحدّثون عن تشكيل محور إسرائيلي- عربي، والإسرائيليّون استخدموا عنوان تشكيل محور إسرائيلي- سنّي، لمواجهة إيران الشّيعيّة؛ وهذا الرّهان سقط. كما أنّالرّهان على حرب وقودها العرب ودول الخليج ضدّ إيران، سقط. والرّهان على حرب أميركيّة مدعومة إسرائيليًّا وخليجيًّا ضدّ إيران، سقط كذلك”. وأكّد أنّ “السّند القوي والحقيقي اليوم لكلّ شعوب المقاومة، هي إيران، ولذلك كلّ التّركيز عليها”.
وتابع: “على مستوى الكيان، التّطوّر هي الانقسامات العميقة الّتي ظهرت في هذا العام. وبعض النّاس في لبنان والمنطقة غير مدركين بعد لحجم ما يحصل داخل الكيان. التعديلات القضائيّة أظهرت كلّ ما هو كامن في هذا المجتمع من انقسامات مختلفة، بوضوح”، مشيرًا إلى أنّ
“التّعديلات القضائيّة في الكيان هي حرب إلغاء يشنّها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والفريق المتطرّف معه، بلا دم، ويمكن أن تؤدّي إلى دم وكادت أن تصل إلى الدّمّ لولا تدخل الولايات المتحدة وزيارات مسؤوليها”.
وأفاد بأنّ “هذا الانقسام امتدّ في كلّ الكيان على مستوى الأحزاب، ووصل إلى رجال الأعمال والاستثمار وإلى الجيش ووحداته النّظاميّة والاحتياط، وهو انقسام يُبنى عليه”، مركّزًا على أنّ “كلّ محاولات ترميم الثّقة في الكيان فشلت، وهناك تراجع هائل في الرّوح القتاليّة والاستعداد للقتال من أجل الكيان، والعديد يهدّدون بالمغاردة، ويبحثون عن جنسيّة أخرى وجواز سفر آخر”.
وبيّن أنّ “على مستوى الدّاخل الفلسطيني، ما يجرى في الضفة وما يجرى في القدس وفي غزة من مقاومة مسلّحة ووجود الأسود المنفردة والرّجال والنّساء الشّيوخ والشباب والأطفال، يقدّمون أقوى صورة عن البيئة الحاضنة للمقاومة”، لافتًا إلى “تصاعد قدرة المقاومة في غزة، وتبنّي الشعب الفلسطيني أكثر من أيّ وقت مضى لخيار المقاومة في الدّاخل والخارج”.
وأضاف: “ما جرى أخيرًا في جنوب لبنان، كان حدثًا مهمًّا وكبيرًا بالنّظر إلى الأوضاع منذ عام 2006، ولم أتكلّم عنه الأسبوع الماضي لأنّ حقيقة الأمر بحاجة إلى دراسة وتشاور مع الأخوة”، معربًا عن اعتقاده أنّ “اعتماد “حزب الله” سياسة الصّمت كجزء من إدارة المعركة مع العدو، هو الأفضل. لا داعي للدّخول في التّفاصيل، أو الإجابة عن أسئلة لا يزال العدو يحتار فيها”.
وأوضح أنّ “سياسة الصّمت تقلق العدو قطعًا وقد تقلق الصّديق، ولكنّ قلق الصّديق ممكن أن يعالَج بعيدًا عن إزالة قلق العدو. الأخير يجب أن يبقىقلقًا وخائفًا ومرتعبًا، ولا يجوز أن يقدّم أحد تطمينات إليه، لأنّه هنو المعتدي”، كاشفًا عن أنّ “الإسرائيلي نفسه يعترف أنّ توازن الرّدع هو الّذي جعل ردّه على ما حدث في الجنوب محدودًا وسخيفًا”.
وذكر أنّ “أهمّ كذبة قالها نتانياهو، هي أنّهم قصفوا بنى تحتيّة لـ”حزب الله” وحركة “حماس” في الجنوب، وهذا كذب واضح، وكلّ وسائل الإعلام قامت بتصوير الأماكن الّتي قُصفت وهي أماكن مفتوحة، وبعضها بساتين موز. لم يتمّ قصفبنى تحتيّة لـ”حزب الله” أو لـ”حماس”. كما أنّهاعترف بتراجع الرّدع الإسرائيلي على مختلف الجبهات، خصوصًا مع لبنان”.
ونوّه إلى أنّ “من أكاذيبه أيضًا أنّه قال إنّ حكومة يائير لابيد السّابقة وقّعت اتّفاقًا مع “حزب الله”، والكل يعلم أنّها لم توقّع أيّ اتفاق مع الحزب. ونتانياهو يتوعّد المقاومة ويهدّدني شخصيًّا، ونحن كمقاومة في لبنان نقول له أيضًا “منشوف”، والأيّام بيننا، وحساباته وقراءته قد تكون خاطئة”.
وجزم أنّ “التّهديدات الّتي يطلقها العدو باتجاه المقاومة في لبنان لن تجدي نفعًا، بل تزيدنا عزمًا وقوّةً وإصرارًا على الحفاظ على ما أنتجه ميزان الرّدع في مواجهة أيّ اعتداء يمكن أن يستهدف أحدًا في لبنان”، معلنًا أنّ “أيّ اعتداء أو عمل أمني في لبنان، سنردّ عليه بالشكل المناسب”.
وأردف: “فيما يخصّ سوريا، يسألون لماذا لا تردّ على الاعتداءات الإسرائيليّة؟ ونحن نجيب أن هذا الأمر مدروس جدًّا عند القيادة السورية. وأي موقف في سوريا قد يتطوّر، ويخطئ الإسرائيلي عندما يبني أنه يقصف في سوريا وهذه حسابات خاطئة قد تظهر في اي لحظة”، مؤكّدًا أنّ “هناك فشلًا في مشروع العدو واستراتيجيّته في “المعركة بين الحروب” واعتداءاته على سوريا”.
وركّز على أنّ “العدو يقسم السّاحات ويستفرد بالقطاع ويستفرد بالضفة، ويقول إنّ هناك قواعد اشتباك وإنّه لا يريد الّذهاب إلى حرب. وهذا ليس تفضّلًا ولا منّة، بل هو مرعوب من الذّهاب إلى حرب”. وتوجّه إلى العدوّ بالقول: “هذه لعبة خطرة، ولن تبقىقادرًا دائمًا على مسك خيوط هذه اللّعبةلا في المسجد الأقصى ولا في كنيسة القيامة ولا في غزة ولا في سوريا ولا في لبنان؛ وهو أضعف وأجبن من الاعتداء على إيران”.
وشدّد على “أنّنا يجب أن نوجّه جميعًا تحذيرًا واضحًا للعدو الإسرائيلي، أنّ بعض حساباتك وخطواتك أو بعض انفعالاتك وأعمالك الحمقاء في القدس أو الضفة أو غزة أو لبنان أو سوريا، قد تجرّ المنطقة إلى حرب كبرى”، متابعًا: “صحيح أنّه حتّى الآن، لا لبنان ولا سوريا ولا غزة تريد الذّهاب إلى حرب بالشّكل السّابق، ولكن أفعال العدو وحماقاته وجرائمه قد تدفع المنطقة إلى حرب”، مبيّنًا أنّ “في مرحلة من المراحل، لن يستطيع أحد أن يمنع المنطقة من الانفجار،لذلك نقول للإسرائيلي وللأميركي حذاري، فالمقدّسات خطّ أحمر، والشّعب الفلسطيني خطّ أحمر”