“حتى لو حصل ادعاء قضائي خارجي على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأصبحَ ملاحقاً دولياً، لن يُصار إلى إقالته من منصبه”. هذا كان قرار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي للإبقاء على سلامة حتى انتهاء ولايته نهاية تموز المقبل بحسب ما اشارت صحيفة “الاخبار”
“اذا صدر في اي بلد اوروبي اتهام صريح لرياض سلامة، سيتوقف كل مصرف مركزي في العالم وكل مصارف المراسلة عن التعامل مع مصرف لبنان”. هذا ما فهمه سياسيون بارزون ومسؤولون في القطاع المصرفي من جهات دولية رفيعة.
واشارت الصحيفة الى انه “على هذه القاعدة، يجري اليوم البحث في ملف حاكمية مصرف لبنان. وخلال الايام القليلة الماضية، ظهرت الى العلن مجموعة معطيات، اولها اهتمام باريس بالامر، وإثارتها الملف مع المرشح الرئاسي سليمان فرنجية، وقد أورد الفرنسيون اسم الوزير السابق جهاد ازعور باعتباره محل ثقة لدى الاوساط المالية والمصرفية في العالم العربي ويحظى بموافقة اوروبية وأميركية. إلا أن ازعور لم يبد حماسة للأمر، وهو حال آخرين ممن جرى تداول أسمائهم أو التواصل معهم من قبل جهات رسمية في لبنان والخارج. كما جرى الحديث عن مشاورات يجريها رئيس الحكومة مع الاميركيين والفرنسيين للاتفاق على شخصية تقبل تولي هذه المهمة. وتم تداول معلومات عن اتصالات جرت مع مصرفي يعمل في مؤسسة مالية دولية، ولديه خبرة في الملفات الاقتصادية، وربما يكون مؤهلا لهذا المنصب. كذلك جرى الحديث عن طرح الأمر على شخصية مصرفية ستصل الى بيروت الاسبوع المقبل.
ويأتي إصرار ميقاتي على تعيين خليفة لسلامة لشعوره بأن توجيه الاتهام إلى الأخير قد يدفعه الى التنحي، وإلا فإن عدم حصول توافق على التسوية الرئاسية قد يجعل المنصب شاغراً في تموز المقبل. علماً أن رئيس الحكومة سمع نصائح دستورية بتجنّب الذهاب إلى هذا الخيار في ظل الشغور الرئاسي، وباحترام القانون الذي يقضي بتسلم النائب الاول للحاكم وسيم منصوري مهام سلامة لحين تعيين حاكم جديد بعد الانتخابات الرئاسية.
وفيما تردد ان منصوري لا يريد تحمل هذه المسؤولية، فان ما نقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، يشير الى ان لا قرار باستقالة الأخير من منصبه. إلا أن بري، ومعه حزب الله ووليد جنبلاط وغيرهما، يفضلون ألا يؤول المنصب إلى غير ماروني بعد اتساع “الاحتجاج المسيحي”على الشغور في مواقع عديدة يشغلها مسيحيون، من دون أن يخفّف من هذا الاحتجاج تكليف العميد الياس البيسري تسيير شؤون الامن العام بعد تقاعد اللواء عباس ابراهيم. إذ يبدو واضحا أن القوى البارزة مسيحياً لا تعتبر البيسري محسوباً عليها.
وفي هذا السياق، برزت مشكلة جديدة تتمثّل في أن أي حاكم جديد لا يباشر مهامه قبل أن يقسم اليمين أمام رئيس الجمهورية. ورغم اقتراح البعض التمثل بسابقة تعيين الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود وأعضائها خلال ولاية حكومة الرئيس تمام سلام في ظل الفراغ الرئاسي يومها، وإرجاء قسمهم اليمين إلى ما بعد انتخاب الرئيس ميشال عون، وبدء اللجنة أعمالها وفق قرار لمجلس الوزراء، إلا أن المعارضين لهذا التوجه يشيرون إلى أن حكومة سلام لم تكن مستقيلة كما هي حال حكومة ميقاتي اليوم، كما ان التوافق السياسي يومها جعلها سلطة جماعية تصدر قراراتها بتوقيع كل وزرائها.
إلى ذلك، نصحت قوى سياسية ممثلة في الحكومة، على رأسها حزب الله، بعدم جواز التمادي في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية والذهاب الى إقرار تعيينات جديدة في غيابه.
وقال مطلعون ان تعيين الحكومة بديلاً للحاكم يسقط مبررات عدم ملء شواغر ادارية أخرى يشغلها مسيحيون ذات صلة أيضاً بالوضع المالي والنقدي، كمدير عام وزارة المالية، وهو عضو حكمي في المجلس المركزي لمصرف لبنان وهيئة الاسواق المالية والهيئة المصرفية العليا، ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان الذي يشغله ارثوذكسي وهو منصب حساس في عمل المصرف المركزي، اضافة الى شغور المنصب الماروني في لجنة الرقابة على عمل المصارف، وهو ايضا متعلق بعمل مصرف لبنان. وبالتالي، فان تعيين ميقاتي بديلاً عن الحاكم يوجب اجراء هذه التعيينات، وعندها ستكون هناك مطالبة بتعيين رئيس المجلس الاعلى للخصخصة وهو ماروني ايضاً، اضافة الى رغبة ثنائي أمل وحزب الله بتعيين مدير اصيل للامن العام، ما يضع البلاد امام مواجهة جديدة في ظل انقسام كبير على خلفية الملف الرئاسي.
ويُعزى إصرار ميقاتي أيضاً الى تأكيد بري رفضه تسليم مهام الحاكم الى منصوري، وهو ما كرره قبل أيام على مسامع زواره، ما سيؤدي إلى مشكلة أكبر في حال سقوط السيناريوهات البديهية لتجنب الفراغ. ففي حال تعذر اجتماع مجلس الوزراء لتعيين حاكم جديد مكان سلامة، واستقال منصوري لتفادي تولي المسؤولية، وعدم توافر غطاء سياسي يسمح بتعيين حارس قضائي (وهي فكرة سبقَ أن طرحت على هامش التحقيقات اللبنانية في ملف الحاكم وشركاه)، ستسود فوضى كبيرة في سوق النقد، وستتفاقم أزمة المودعين لعدم وجود من يتولى ادارة مصرف لبنان وفق قانون النقد والتسليف. إذ أن استقالة منصوري تعني سقوط المجلس المركزي الذي لن يتوافر له نصاب حتى لو تولى النائب الثاني مهام الحاكم (استناداً إلى المادة 27). إذ سيكون هناك 4 أعضاء غائبين هم الحاكم ونائبه الأول والمدير العام لوزارة المالية (جرى تكليف جورج معراوي بالإنابة) ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان (جرى تكليف موني خوري القيام بعد استقالة كريستيل واكيم)، ما سيؤدي إلى بلبلة كبيرة داخل المركزي.
في هذا الإطار، اكدت مصادر مطلعة إن “الكواليس السياسية تنشط بحثاً عن مخرج لاستحقاق المصرف المركزي، ومن المتوقع أن يصار الى تفعيل قنوات التواصل وتكثيف التشاور في الأسبوع المقبل للبحث عن مخرج له، مشيرة إلى أن انتخاب رئيس الجمهورية هو المدخل الوحيد لحل كل المشاكل بما فيها التعيينات في المراكز الأولى”.