الرئيسية / مقالات / الأمن “الهشّ” إلى الواجهة… أيّ رسائل خلف الإشكالات “المتنقّلة”؟!

الأمن “الهشّ” إلى الواجهة… أيّ رسائل خلف الإشكالات “المتنقّلة”؟!

 

حين صدرت التحذيرات الأمنية عن سفارات بعض الدول العربية والأجنبية، كثُرت الأسئلة عن الخلفيّات الحقيقية الكامنة وراءها، وعن الدلالات السياسية التي تنطوي خلفها، ولا سيما أنّها بدت “مريبة” بالنسبة للبعض، باعتبار أنّ “سببها المُعلَن”، أي اشتباكات مخيّم عين الحلوة، لم يبدُ “مُقنِعًا”، لأنّها لم تتزامن مع اندلاع المعارك “العبثية” داخل المخيم، بل مع تثبيت “الهدنة” بين الفصائل المتقاتلة، ولو أنّها بقيت مفتوحة على احتمال “التفجير”.

 

 

لكن، قبل أن يجفّ حبر الأسئلة التي طُرِحت، بدأت الأحداث الأمنية “تتوالى” في أكثر من منطقة في لبنان، ولو أخذت في بعضها طابعًا “فرديًا”، فيما لم يخلُ بعضها الآخر من عنصر “التسييس”، لتبلغ الذروة مع “جريمة” عين إبل، التي وضعها البعض في مصاف “الاغتيال السياسي”، وشبّهها بجريمة قتل الناشط المناهض لـ”حزب الله” لقمان سليم، وصولاً إلى “شاحنة” الكحالة، التي كادت تتحوّل إلى “بوسطة عين الرمانة”، بنسخة محدَّثة.

 

 

 

هكذا، عاد الأمن “الهشّ” إلى الواجهة، ليفكّ “لغز” بيانات السفارات التحذيرية، وينهي مرحلة “الاستقرار النسبي” الذي كان اللبنانيون يحسدون أنفسهم عليه، بالمقارنة مع ما يجري في دول الجوار، القريبة منها والبعيدة، علمًا أنّ كلّ ذلك يترافق مع “قرع لطبول الحرب” على الحدود الجنوبية، في ظلّ تهديدات إسرائيلية تتصاعد، وإن بقيت محصورة في إطار “توازن الردع” الذي لا يزال يمنع نشوب حرب فعليّة في الوقت الحالي.

 

وإذا كانت الأحداث الأمنية المتنقّلة تصدّرت المشهد، “مهمّشة” التطورات السياسية التي بدت الأسبوع الماضي مجرّد “بدل عن ضائع”، بانتظار عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان المرتقبة في شهر أيلول المقبل، فإنّ علامات استفهام بالجملة تُطرَح حول الدلالات والمآلات، فأيّ رسائل خلف الإشكالات والاشتباكات التي بدت “منظّمة” في مكان ما، وكأنّ “كلمة سرّ” أطلقت لها العنان؟ وأبعد من ذلك، من يعبث بالأمن في لبنان، وهل يعتقد أنّ بالإمكان “توظيف” الإشكالات لصالح تموضع سياسيّ معيّن هنا أو هناك؟.

 

 

في المبدأ، يقول العارفون إنّه رغم “كثافة” الأحداث الأمنية في الآونة الأخيرة، مقارنة بالمراحل التي سبقتها، ما قبل وما بعد الفراغ الرئاسي الذي يقترب من “سنويته” الأولى، فإنّ كلّ الوقائع على الأرض توحي بأنّ الأمور لا تزال “مضبوطة وتحت السيطرة”، وأنّ ما يجري يبقى، أقلّه حتى إشعار آخر، بلا تردّدات سياسية، بل قد يكون في الحقيقة انعكاسًا للواقع السياسي والاجتماعي المتردّي، ما يترجَم احتقانًا في النفوس، وتفلّتًا على الأرض.

 

يتوقف هؤلاء عند اشتباكات عين الحلوة مثلاً، لينأوا بها بالكامل عن الواقع السياسي الداخل، فما حصل في أكبر مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين، وإن أقرّ الفلسطينيون قبل غيرهم بأنّه يستهدف في جملة ما يستهدف، الأمن اللبناني، لا يمكن إدراجه في خانة “التوتير الداخلي”، باعتبار أنّه مرتبط أكثر بالواقع الفلسطيني نفسه، كما واقع المخيّمات، فضلاً عن كونه في كلّ الأحوال بقي “محصورًا” في الزمان والمكان، وكذلك على مستوى التداعيات.

 

قد لا يسري الأمر نفسه على سائر الإشكالات التي شهدتها العديد من المناطق، كما حصل في وادي الزينة مثلاً، حيث بدا الإشكال “تنظيميًا داخليًا” إلى حدّ بعيد، أو ربما “فرديًا” كما أوحى البعض، أو في عين إبل حيث كُشِف النقاب عن “جريمة مكتملة المعالم”، حاول البعض تصويرها على أنّها “مجرّد حادث”، على الطريقة الهوليوودية، إلا أنّ كلّ ما سبق يبقى بدوره “محصورًا”، أقلّه بانتظار أن يقول القضاء كلمته، بعيدًا عن أيّ “تسييس”.

 

 

لكنّ كلّ هذه الإشكالات لا تُقارَن وفق المطّلعين، بما حصل في الكحالة، حيث تحوّل حادث انقلاب شاحنة إلى “ميني حرب أهلية” إن جاز التعبير، أسهم في تأجيجها جوّ “التحريض” الذي دخل على خطّه إعلاميون، بل “أبواق”، وسياسيون ونواب، ينتمون إلى “الطرفين”، إن جاز التعبير، مع استخدام “لغة خشبية” عنوانها “ميليشياوي”، كادت تُخرَج الأمور عن السيطرة بالكامل، ما كان يمكن أن يوقع البلاد في أتون “فتنة” حقيقيّة وخطيرة.

 

سواء غلب الطابع “الفردي” على كلّ الإشكالات، بما فيها حادث “شاحنة الكحالة” الذي أخذ الأمور إلى منحى آخر بالكامل، أم دخلت “السياسة” على خطّها، فإنّ العارفين يعتبرون أنّ على القوى السياسية أن تتمعّن في كلّ ما حصل ويحصل، لأنّ “العبرة منها” تبقى أنّ “المراوحة” لم تعد خيارًا مُتاحًا، فالاحتقان وصل إلى مستويات ما عاد بالإمكان القفز فوقها أو تجاهلها بكل بساطة، وبالتالي فإنّ المطلوب معالجة جدية ومسؤولة تفاديًا لتدهور الوضع أكثر.

 

لا يستبعد العارفون فرضية وجود “أيادٍ خفية” تريد العبث بالأمن، ولا يستثنون من الحسابات أبدًا احتمال وجود “طابور خامس” يتعمّد “تضخيم” بعض الإشكالات الفردية، تمامًا كما يجدون الحديث عن “حسابات سياسية” خلف ما جرى ويجري واقعيًا في مكان ما، ولا سيما في ظلّ وجود رأي وازن يعتبر أنّ اقتراب “التسوية” يحتّم “سخونة أمنية” في مكانٍ ما، قد تمنح رافضي الحوار “عذرًا تخفيفيًا” لتراجعهم عن موقفهم، متى دقّت الساعة.

 

 

لكن، في كلّ الأحوال، يشدّد هؤلاء على أنّ الحل يبقى سياسيًا بامتياز، فالمطلوب من المعنيّين، بمعزل عن “تشخيصهم الفعليّ” للمشاكل الأمنية الطارئة، ومدى ارتباطها بالوضع السياسي المتردّي، أن “ينزلوا عن الشجرة” إن جاز التعبير، وينصرفوا إلى حلّ الأزمات، بدءًا من انتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير، وبعيدًا عن الشروط المسبقة والأنانيات، لأنّ ذلك يبقى “المَدخَل” لانتظام الوضع في البلاد، وإن لم يكن كافيًا لبلوغ أيّ حلّ مستدام.

 

هكذا، تقرع الأحداث الأمنية المتلاحقة “جرس الإنذار”، فما يحصل ليس برأي كثيرين سوى “بروفا” لما يمكن أن يجري إن استمرّت الأزمة السياسية، أزمة قد تصل إلى قيادة الجيش المهدّدة بـ”الشغور” على مستوى قيادتها مطلع العام المقبل، “شغور” قد يكون الأخطر بين كل أنواع “الفراغ” التي تكاد القوى السياسية “تطبّع” معها بوصفها أمرًا واقعًا، فهل “يتلقف” المعنيّون الرسالة، أم أن المطلوب الوصول إلى “الخطوط الحمراء” قبل كلّ شيء؟!

 

المصدر :النشرة

شاهد أيضاً

اليكم تفاصيل المقترحات الفرنسية والبريطانية والأميركية لاستقرار لبنان

  كشف المدن عن الصيغ والطروحات والاقتراحات الدولية، لمعالجة الوضع في جنوب لبنان، ووقف التصعيد، …