في الوقت الذي يعبّر فيه جزء كبير من أبناء السويداء عن وجعهم بسبب الضائقة المعيشية والاقتصادية التي يعاني منها ابناء المحافظة إسوة بباقي المدن والمحافظات في سورية، مع الاشارة الى ان هذه الأزمة لا تشهدها السويداء او سوريا فقط، بل لبنان والعراق ومصر والسودان وعدد آخر من الدول المستهدفة اقتصاديا لأسباب سياسية معروفة للجميع.
فالتاريخ سجل بطولات قائد الثورة السورية الكبرى المجاهد الزعيم سلطان باشا في إسقاط علم الاحتلال ورفع شعار الدين لله والوطن للجميع، رافضاً كل المناصب والمكاسب والإنسلاخ عن الوطن الأم سوريا.
لكن ما يجب التوقف عنده ان بعض الاشارات والرموز بدأت تظهر خلال تحركات السويداء المفترض انها ذات طابع معيشي وحياتي، بداية كان لافتا ظهور علم الانتداب خلال التحركات الى جانب العلم السوري الرسمي وعلم طائفة الموحدين الدروز، فهل بات رفع علم الانتداب يشكل أحد اهداف “التحرك المطلبي”؟ علما ان الفصائل المسلحة التي رفعت علم الانتداب قامت بقتل وخطف عدد كبير من أبناء محافظة السويداء، ولعل الخطوة الاكثر خطورة كانت ظهور ما يسمى بمركز اعلام الانتفاضة الذي يقوم بالضخ الإعلامي الموجه والمحرض على تحريك الشارع عبر بث شعارات واللعب على مشاعر وعواطف الناس، فهل أبناء السويداء قادرين على تحسين وضعهم المعيشي من خلال مركز اعلام الانتفاضة؟ وما هو دور هذا المركز ومن يقف خلفه وما الأسباب الحقيقية له؟ والجدير ذكره أن الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء صرحت بأن ما يسمى ببيان الضباط المتقاعدين في السويداء والذي يهدف لتشكيل مجلس إدارة مؤقت، هو آراء شخصية تمثل أصحابها فقط.
والاخطر مما سبق ذكره ان شعار “القبضة” الذي يرمز الى الثورات الملونة التي شهدتها مختلف دول العالم بدأ يظهر كتعبير عن المواجهة والقوة وتوحيد القبضات والذي سيصبح شعارا سائدا في المدى المنظور مرفقا بشعار “القوة للناس” و”الأمل بالناس” الخ..وكلها مجرد شعارات براقة لمشروع خطير هدفه الفوضى أولا وأخيراً.
قد يظن البعض ان هذا الكلام مجرد تنظير ولا علاقة له بأرض الواقع ولا ينقل الصورة الحقيقية عما يجري في السويداء، لكن الواجب يستدعي الاضاءة على هذه النقاط بعد سلسلة “الثورات” التي شهدتها الدول المجاورة لسوريا وفي لبنان تحديدا، حيث ان مجرد قرار حكومي لزيادة بضع سنتات على خدمة “الواتس اب” كان كفيلا بأن يشكل شرارة لاندلاع حراك 17 تشرين حيث نزلت الناس الى الشارع تعبيرا عن غضبها ورفضها للسياسة الاقتصادية، ولاحقا وبعد تنحي الحكومة وعدم تمرير “قرار الواتس اب” تحولت حركة الاحتجاج الى قطع للطرقات واشكالات مع القوى الأمنية والجيش، واقفال المؤسسات وتعطيل البلد وتسكير المصارف، والاهم ان كل ذلك ترافق مع ارتفاع مستمر بسعر صرف الدولار، الذي قفز عبر مراحل متتالية من 1500 ليرة لبنانية وصولا الى 150 الف ليرة ليستقر الان عند عتبة الـ90 الف ليرة، وفي هذا الوقت كانت ساحات ترفع شعار “القبضة” وتنفذ الاعتصامات فلم يعد احد يأتي على ذكر سنتات “الواتس اب”، وانقسمت التحركات بين فئة تريد اسقاط عهد الرئيس عون واخرى تريد سحب سلاح “الحزب” الى ما هنالك من شعارات لم ينفذ منها شيء، سوى سرقة المصارف لاموال الناس وحجزها فماذا كانت النتيجة؟
لا شيء تغير للأفضل بل على العكس الوضع الاقتصادي تدهور بشكل كبير والقدرة الشرائية للمواطن بلغت ادنى مستوياتها، وتم رفع الدعم عن المحروقات والخبز والدواء، وبالتالي بات شعب لبنان أسير لعبة دولار السوق السوداء الذي يحكمه الان، والسؤال الاهم ماذا فعلت قوى الحراك وكيف انتقلت من الساحات الى البرلمان، وهنا يجب لفت نظر اهالي السويداء ومرجعياتهم الروحية الى مسألة وصول احد ممثلي “التغيير” مارك ضو الى مجلس النواب عن أحد المقاعد الدرزية في دائرة عاليه – الشوف، فهذا النائب لم يجد شيئا يطرحه سوى تقديم مشروع قانون للدفاع عن الشاذين جنسياً، والمطالبة بمنع معاقبتهم قانونياً فهل هذا الأمر يعبر عن واقع وحقيقة أبناء طائفة الموحدين الدروز؟ بالطبع لا، ومن يعرف تاريخ وحاضر أبناء التوحيد يدرك انهم اكثر الجماعات محافظة على العرض واصحاب مواقف الشهامة والنخوة، وما قدمته السويداء خلال سنوات الحرب من شهداء وإستقبال ابناء المحافظات الاخرى، كفيل بان يؤكد على موقع ودور أبناء طائفة الموحدين ومرجعياتهم الروحية، وهم لن يكونوا الا في موقعهم الصحيح، وسرعان ما سيكتشفون ان هناك من يسعى للعبث بالسويداء واهلها، كما اكد بيان مشايخ العقل ان السويداء لن تكون الا جزءا من الدولة السورية، فلا مشاريع تقسيم ولا ادارات ذاتية ولا ارتباطات مع الخارج، فالسويداء بأهلها ستبقى قلعة صمود ومنبع رجال لن تنال منها بعض ايادي السوء واصحاب الألسنة الخبيثة، ويبقى الحذر كل الحذر من أصحاب شعار “القبضة” التي ستلكم أهل السويداء بالدرجة الأولى، قبل ان تسعى الى تسديد لكماتها لباقي المحافظات السورية.
وفي الصبر يُتوّج النصر….