يزداد ملف النزوح السوري الى لبنان وفيه تعقيداً، بعد ان كان امنياً مع بدء الاحداث في سوريا في آذار 2011، بات اليوم اقتصادياً، في ظل الازمة التي تعانيها سوريا، مالياً بانهيار سعر صرف الليرة، واقتصادياً نتيجة الحصار الغربي عليها، وتطبيق قانون قيصر الاميركي، على كل من يتعامل معها، وهذا ما اوصل سوريا الى التدهور المالي والاقتصادي وافقار الشعب السوري بعد التدمير والقتل والتهجير، بسبب الحرب الكونية التي شُنتها عليها اميركا وحلفاء لها، لتبتعد سوريا عن محور المقاومة، وتوقف تقاربها مع ايران، التي وصلت الى بيروت عبر دمشق مروراً ببغداد، حيث تعمل واشنطن مع “اسرائيل”، على قطع هذا الطريق الذي يمد المقاومة في لبنان بالسلاح وصولا الى فلسطين.
و”النزوح الاقتصادي” الى لبنان، ليس جديداً وهو يعود الى عقود، للحاجة الى اليد العاملة السورية، في الزراعة والبناء، حيث كان يُقدر عدد السوريين قبل النزوح، بحوالى 400 الف عامل سوري، كانوا يوجدون في البقاع والشمال وبعض المناطق الاخرى، وفق تقارير احصائية واخرى اقتصادية، حيث كان هذا النزوح يُعتبر طبيعياً لا بل ضروريا للاقتصاد اللبناني، الذي كاني يصاب بالشلل عند عودة السوريين العاملين في الزراعة والبناء وبعض الخدمات الى بلادهم لاسباب عديدة، لا سيما في الاعياد.
لذلك لم يعد موضوع النزوح السوري، وجهة نظر حول وجوده، او خلافا لبنانيا ـ لبنانيا على توصيفه، بل يجب دراسته بالعمق، فقوى ما كان يسمى 14 آذار، استقبلتهم في عرسال وزارهم وفد قيادي منها “كتيار المستقبل” و”القوات اللبنانية” والكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي وفارس سعيد وآخرين، وتعاطوا مع النازحين، على انهم حلفاء لهم لاسقاط النظام السوري، و”كثوار” يقاتلون لاسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، وتم تقديم المساعدات لهم، حتى العسكرية منها، وارسال مقاتلين لدعم “الثورة” التي هي امتداد “لثورة الارز”، التي هي تصنيع اميركي لما يسمى “الثورات الملّونة” التي تبناها الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الابن تحت مسمى “الشرق الاوسط الكبير”، وتعميم “الفوضى الخلاّقة”، لاقامة انظمة “ديموقراطية”، في وقت وقف طرف لبناني لا سيما “حزب الله” الى جانب النظام السوري، وارسل مقاتليه لمنع سقوط الدولة السورية، التي وقفت معه في حرب تموز 2006، التي قررتها اميركا لنزع سلاح “حزب الله”.
فوجود مليوني ومئتي الف نازح سوري، وفق احصاء قبل نحو سنة للامن العام اللبناني، ليس بالعدد الذي يمكن للبنان تحمّل اعبائه في ظل ازمة مالية واقتصادية واجتماعية خانقة، يرافقها عدم انتخاب رئيس للجمهورية، في ظل انسداد سياسي داخلي، وتعثر حل خارجي، مما تسبب بشل السلطات التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (مجلس النواب)، وحصول فراغات في مؤسسات عديدة، حيث لا يمكن للبنان، ان يتحمّل عبء هذا النزوح، الذي ترفض الامم المتحدة ودول اوروبية واميركا عودتهم الى بلادهم، وفق ما يؤكد مصدر وزاري معني بالملف، الذي يتخبط فيه المسؤولون في لبنان، الذين ومنذ 12 عاماً، لم يتفقوا على خطة او حل لمعالجة هذا النزوح، الذي بات يشكل خطراً ديموغرافياً، وقلقاً امنياً، وازمة اقتصادية، وبطالة في صفوف اللبنانيين، حيث تلكأت الحكومات المتعاقبة عن حل ازمة وجودية بالمعنى الديموغرافي السياسي والامني والاقتصادي، حيث غاب تنظيم هذا النزوح من بداياته، وتم التعاطي معه، وفق مصالح كل طرف سياسي وآخر طائفي، تقول مصادر سياسية متابعة له.
وبعد هذه السنوات، اقتنع من كان يعتبر “الثوار” حلفاءه وامتداداً له، لاسقاط الرئيس الاسد، بان هؤلاء اصبحوا يشكلون خطراً، ويطالب رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع بان يعودوا فوراً، ولم يعد شعاره “فليحكم الاخوان”، مطابقاً لرغبات كان يتمناها بسقوط الاسد، او ملاقاة حثيثة على “ضفة النهر”، كما اعلن وليد جنبلاط.
فالعودة الآمنة كان يجري العمل عليها، من قبل اطراف لبنانية، لا سيما “التيار الوطني الحر”، وليست الطوعية كما كان فريق لبناني يدعو لها تلبية لمشاريع متعددة، اذ كانت دول اوروبية هي صاحبة الدعوة للطوعية، وهذا ما ادى الى تأخير عودة النازحين الذين، بات دخولهم غير الشرعي يتكاثر عبر نحو 120 ممراً غير شرعي، لا سيما في الشمال والبقاع، فدخلت على لبنان تجارة جديدة، هي الاتجار بالبشر عبر دخولهم خلسة او تسللاً بطرق غير شرعية، او تهريبهم في البحر بقوارب غير شرعية، وقام الجيش بمهامه المطلوبة منه، ووفق امكاناته، التي تعطيه حركى الانتشار، في منطقة جغرافية معقدة، حيث رد قائد الجيش العماد جوزاف عون على المشككين في دور الجيش في القيام بمهامه، فاعلن عن صعوبات الانتشار على كامل الحدود، وان عديده لا يسمح له بالتوسع في منطقة بحاجة الى الاف الجنود، وان نح 8 الاف ضابط وعسكري، يؤمنون وجوداً من الشمال الى البقاع بأكمله، لا سيما في السلاسل الشرقية، في ظل صعوبات مالية ومعيشية.
فالمسألة ليست امنية، بل سياسية ايضاً، وهي ان تتعاون الحكومتان اللبنانية والسورية، في ملف النزوح، وهذا ما يرفضه مسؤولون لبنانيون، بناء على اوامر اميركية تقول المصادر، ولا تعني مقولة “النأي بالنفس”، التي كانت شعار عهد الرئيس ميشال سليمان وتبني حكومات لها، وتحديداً الرئيس نجيب ميقاتي، الذي بات يعترف بخطر النزوح السوري الديموغرافي والامني والاقتصادي، لكنه لا يعارض توجه اميركا ودول اوروبية، دون ان يفصح عن الاسباب، الا انه وتحت ضغط ومشاكسة وزير شؤون المهجرين الدكتور عصام شرف الدين، اقرّ بان هذا الملف يجب ان يُدرس بجدية، حيث سبق لشرف الدين ان زار سوريا مرات عديدة، لمتابعة هذا الملف، وعاد باجوبة ايجابية من المسؤولين السوريين، وهذا ما ابلغه شرف الدين الى الرئيس ميقاتي ومجلس الوزراء، وتم تشكيل لجنة وزارية لزيارة دمشق، والبحث في هذا الملف، لكن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب تنحى عن رئاسة اللجنة ثم عاد، ونشأت مشاحنات وسجالات حول من يدير ملف النزوح السوري بين الوزراء، والذي لم يعد وجهة نظر، بعد ان سجل دخول نحو 8 الاف سوري في شهر آب، وتوقيف الجيش 1200، وهذا يكشف خطورة النزوح الجديد بعنوان اقتصادي لبلد مشلول اقتصادياً، ومأزوم مالياً.
وتجاوب الرئيس ميقاتي بوضع بند النزوح السوري على جدول اعمال مجلس الوزراء غداً الاثنين، نتيجة مطالبة الوزير شرف الدين، بألا تتلكأ الحكومة عن دورها، لان الوضع بات دقيقاً، حيث اكد شرف الدين لـ “الديار”، انه لامجال لاضاعة الوقت والمراوغة، امام ملف بهذه الخطورة، اذ لا توجد مبادرات جدية حكومياً لعودة النازحين، وان حضور القادة الامنيين ضروري، لكن الحوار والحل، يكون مع سوريا.
كمال ذبيان
المصدر:الديار