في زيارته الثالثة الى لبنان غادر الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف – لودريان كما حضر خالي الوفاض كما في زيارتيه الاولى والثانية عندما كلفه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون متابعة الملف اللبناني والاستحقاق الرئاسي منه فلم يخرج الدخان الابيض من المدخنة اللبنانية التي لم يوضع الحطب في موقدة رئاسة الجمهورية لتنضج الطبخة التي ما زالت منذ حوالى عام على نار خفيفة.
ورمى لودريان الكرة في ملعب الرئيس نبيه بري واعلن انه يسير وراء مبادرته للحوار ثم انتخاب رئيس للجمهورية ورأى فيها قارب نجاة له كي لا يغرق في المياه اللبنانية التي تتلاطم فيها الامواج الداخلية اللبنانية وتهب عليها عواصف اقليمية ودولية حيث كان متوقعا من الموفد الفرنسي حلا متكاملا والذي ارسل رسائل الى 38 نائبا اختارهم ليردوا على اسئلة وجهها اليهم، حول مواصفات المرشح للرئاسة وبرنامجه، لكنه جوبه برفض من الذين يسمون انفسهم “نواب المعارضة” كما لم يلق حماسا من آخرين، فحضر للمرة الثالثة، ولم يحمل معه جديدا سوى مبادرة الرئيس بري التي تلازم بين الحوار وانتخاب رئيس الجمهورية، فايدها واعتبرها خارطة طريق للخروج من المأزق الرئاسي وفق ما ينقل عنه من التقوه من نواب وفعاليات، لا سيما وان الموفد الفرنسي لم يحمل معه مقترحات او حلولا للازمة الرئاسية، سوى حث للاطراف اللبنانية على انهاء الاستحقاق الرئاسي، كمدخل لتحقيق اصلاحات، عبر حكومة تتجاوب مع ما يقترحه صندوق النقد الدولي.
وفرنسا التي تعرف لبنان جيدا منذ حوالى قرن، وهي التي ساهمت في انشائه بدأ المسؤولون فيها في حالة احباط من امكانية مساعدة اللبنانيين لانفسهم، للخروج من الازمة وهذا ما طلبه الرئيس ماكرون من رؤساء الكتل النيابية الذين التقاهم في قصر الصنوبر، عند زيارته للبنان، بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، ثم في الذكرى المئوية الاولى لولادة “لبنان الكبير” في اول ايلول من العام نفسه، حيث خرج ماكرون من لقاءاته متشائما، ولم يكن حصل الشغور الرئاسي، بل “الحراك الشعبي” في الشارع، وتكشف معلومات من شارك في اللقاءات مع ماكرون ومساعديه، بان انطباعا تكوّن لديه من ان لبنان صعب على الحل، وكل ما يمكن ان يحصل هو تدبير “تسوية” هكذا نشأ لبنان كيانا ونظاما،وارتكز على الطائفية مما دفع لودريان وكان وزيرا للخارجية ان يعلن في العام 2021، بان لبنان الى زوال.
وما اعلنه لودريان قبل عامين، ما زال عند رأيه، وفق ما تسرب من لقاءاته، اذ وصل الى مرحلة اليأس من الوضع اللبناني، وهو الموفد الرابع الذي يُكلف بالملف اللبناني منذ عشر سنوات، وانعقد مؤتمر “سيدر” من اجل لبنان في العام 2019، لمساعدته ماليا واقتصاديا، لكن بنوده لم تطبق، كما في مؤتمرات باريس 1 و2 و3، ايام الرئيس الرفيق الحريري فكان الاقتراح دون الاصلاح.
من هنا، فان لودريان الذي سيتسلم مهمة جديدة في السعودية كرئيس لصندوق التنمية في مدينة العلا مطلع تشرين الاول المقبل،ـ فان اهتمامه بلبنان سيتراجع وان كانت “الاليزيه” ما زالت تعتمده موفداً رئاسياً، مما يؤشر الى ان الاستحقاق الرئاسي لن يبصر النور قريبا، وفق ما تكشف مصادر ديبلوماسية عربية، رُبطت مهمة الموفد الفرنسي باللجنة الخماسية التي تتابع ما يجري في لبنان، وهي ليست على ذات التوجه الواحد بشأن حل الازمة الرئاسية خصوصا ولبنان عموما، ولكل دولة ممثلة في اللجنة اهدافها ومصالحها، كما قراءتها لما يحدث في لبنان، ولا يتوقع من اجتماع مرتقب للجنة، اي حل للبنان، مما سيطيل الشغور الرئاسي، وتعقيد الازمة اللبنانية في وقت يشهد لبنان معارك عسكرية في مخيم عين الحلوة وحصلت توترات امنية في اكثر من منطقة لا سيما حادثة كوع الكحالة، اضافة الى قضية النزوح السوري، الذي وصفه قائد الجيش العماد جوزاف عون بالخطر الوجودي، حيث جهد الحكومة لعودة النازحين بطيئ لا بل متلكئ.
لذلك يتطلع اللبنانيون كما لودريان واطراف خارجية الى مبادرة الرئيس بري للحوار لمدة سبعة ايام تعقبه جلسات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية حيث ما زال رئيس مجلس النواب متريثا في تنفيذ مبادرته التي وان حظيت بدعم فرنسي وعدم وجود “فيتو” من اللجنة الخماسية، لكن لم يرشح من عين التينة، بان الدعوة وضعت على السكة مع اقتراب نهاية شهر ايلول، وهي المهلة التي حددها بري لمبادرته لتسلك طريقها، واذا لم يحصل الحوار والانتخاب فان لبنان متجه الى المجهول، وفق ما ينقل عن الرئيس بري، والذي بات الوقت يضيق على مبادرته.
وفي هذا الاطار فان عضو “كتلة التحرير والتنمية” النائب ايوب حميّد يقول لـ “الديار” بان مبادرة الرئيس بري موجودة، لكن تطبيقها ليس معلوما بعد، وان تقديره قد لا تحصل الدعوة للحوار والانتخاب خلال ما تبقى من شهر ايلول، اذ ما يهم بري هو التوافق بين المكونات اللبنانية، وحول رئيس الجمهورية الذي لم ينجح مجلس النواب بتأمين الفوز لمرشحين، ولم يعد من طريق سوى الحوار والتوافق، ولا يعني ذلك خروجا عن الدستور يقول النائب حميد، الذي يشير الى ان “لبننة” الاستحقاق امامه صعوبات.
الكاتب:كمال ذبيان
المصدر:الديار