وحدة الساحات، هي العنوان الاساس في المعركة او الحرب الوجودية، ضد العدو الصهيوني، الذي اقتلع شعباً من ارضه في فلسطين منذ ما قبل تأسيس كيانه الغاصب لان اساس قيام دولته، مستند الى التوراة، التي تقول كما يفسر اليهود المتطرفون، بان يهوه الههم، وعدهم “بارض سميت بالميعاد”، على مساحة تمتد من “الفرات الى النيل”، اي هي تستهدف سورية الطبيعية كلها او الهلال الخصيب، في دعوة الصهاينة الى قيام “اسرائيل الكبرى” التي ستكون تمهيداً لعودة حقيقية للمسيح، الذي صلبه اليهود بعد ان عذبوه ونبذوه واساؤوا اليه، فصعد “جبل الجلجلة”، ثم اعدموه على الصليب، ودقوا المساميرة في يديه ورجليه، وتركوه معلقاً على الصليب، وهو كان نقيض دعوتهم التي تحتقر البشر، لانهم “شعب الله المختار” وفق اكاذيب تلمودهم، وفق مفكرين كشفوا “الخديعة اليهودية”.
من هنا، فان ما يمكن وصفه ما يحصل في فلسطين المحتلة، من غزة الى الضفة الغربية واراضي الـ 48، انما هي حرب وجود، حيث لا يعترف اليهود بشعب في فلسطين، التي هي حسب زعمهم، “ارض بلا شعب”، لتبرير عودتهم اليها وكشعب بلا ارض، من كل اصقاع العالم، في تحقيق ما يسمونه “الوعد الالهي”، بارض التوراة، ورفض الاعتراف بوجود فلسطين وشعب عليها، فكان تحرك للمتطرفين اليهود ضد “اتفاق اوسلو”، الذي اقام دولتين عند حدود 1967، لكن احد اليهود المتدينين، قتل اسحق رابين رئيس وزراء اسرائيل الذي وقع الاتفاق مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، فكان هذا الاغتيال لما سميت عملية “السلام”، الذي اتجه اليه فلسطينيو المنظمة مع انظمة عربية، لكن لم يأت عليهم الا بالجحيم، كما يقول احد المتابعين للمسألة الفلسطينية، الذي يؤكد ان الصراع مع اليهود طويل، وما يجري في غزة، هو احد وجوهه، وان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو مع اعضاء حكومته الدينية المتطرفة، قرر اقتلاع الفلسطينيين من غزة ورميهم بالبحر، وهو يظن بان ما حصل في عام 1948، عند انشاء الكيان الصهيوني، بالمجازر واعمال القتل، واستكمل في غزة، التي شهدت حروباً واعتداءات عليها، ولم تستسلم، وفي هذه الحرب المدمرة، قرر اهل غزة الصمود، وان نتائج الحرب لن تكون لصالح العدو الاسرائيلي، يقول قيادي فلسطيني بارز، لان العدو الاسرائيلي، راهن على نسيان الشعب الفلسطيني لارضه، وحق العودة اليها، وانه سيذوب في الدول التي نزح اليها، كما ان اشراك فلسطينيين في انتخابات الكنيست، واختيار مرشحين عنهم اعضاء فيه، يدمجهم في الدولة العبرية، بحيث تظهر اسرائيل بانها دولة ديمقراطية في المنطقة، وتمنح “عرب اسرائيل” فرصة ممارسة حقوقهم السياسية، وهم من سكان “ارض اسرائيل”، التي لا يمكن لاي يهودي ان يتنازل عنها، كما حصل مع رابين الذي تخلى عن “يهوذا والسامرة”، وهي ارض من التوراة، والمسماة الضفة الغربية، فكان مصيره القتل، وهي حادثة لم تحصل من قبل اتفاق اوسلو.
فالحرب في غزة، هي للتحرير، وليست لتحريك ملفات فقط كالاسرى والمسجد الاقصى وحصار غزة، بل هي ابعد من ذلك، يقول القيادي الفلسطيني الذي يشير الى ان المقاومة، بنقل المعركة الى داخل المستوطنات حققت مكاسب، وغيّرت معادلات، في الصراع مع العدو الاسرائيلي، وباتت حركة “حماس” والفصائل الحليفة لها، التي تشارك في القتال، تملك اوراق قوة، واذا ما حصلت وساطات، فانها لها شروطها ولن تذهب الى اتفاق، بل ان الحرب مع العدو مفتوحة، وقد يحصل وقف للعمليات العسكرية، ولكن لن تقف الحرب ضد “السرطان الصهيوني”، الذي انتشر في جسد فلسطين، ولا بدّ من اقتلاعه، وان الحرب المباغتة، التي خاضتها “كتائب القسام” فجر السبت 7 تشرين الاول، بعمل عسكري وسري متقن، وتحريك الف عنصر مقاوم جوا وبحراً وبراً، اذهل العدو، ولم يكن ينتظر مثل هذا العمل الميداني من “حماس”، التي في عمليتها العسكرية استفادت وافادت منها، لان شكل المعركة تغير، فلم يعد “الشعار اضرب واهرب”، بل “اقتحم وسيطر” وهذا ما حصل في خلال الايام الثلاثة من الحرب، التي رفع العدو الاسرائيلي من هستيريا عدوانه، واتبع “الارض المحروقة”، التي يستخدمها دائما في حروبه سواء في لبنان او غزة، لكنه لا يحقق هدفاً من اهدافه ولا بل بانهاء وجود المقاومة، و “حماس” احد اذرعتها، لا في اقتلاع اهل غزة، وهذا ما حصل اثناء عدوانه صيف 2006 على لبنان، اذ استمرت المقاومة، وارتفعت جهوزيتها تسليحا وتدريبا، ولم ينفذ اهدافه العسكرية والسياسية، في وقت يشهد الكيان الصهيوني انقساماً سياسياً، وتمزقاً داخلياً، وخيارات استراتيجية متناقضة، الى تآكل قوة الردع لدى الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر، وعدم تلبية الاحتياط الالتحاق بالحرب.
وغزة لن تكون وحيدة في حربها، “فحزب الله” اعلن انخراطه في المعركة، وبانه ليس حيادياً، وما جرى في عيتا الشعب المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة، كان رسالة الى العدو الاسرائيلي، بان وحدة الساحات والجبهات، ليست شعاراً، بل ممارسة، وباتت جبهة الجنوب في المعركة وان كانت ما زالت محدودة، وان المشاركة الواسعة، ستكون عندما يتحرك الجيش الاسرائيلي، باتجاه غزة وفق وعد نتنياهو، الذي اعلن عن اجتثاث “حماس” ومنظمات اخرى، وتشديد الحصار على القطاع الذي يمنع كل مقومات الحياة عنه، اذ وصف وزير الدفاع الاسرائيلي اهل غزة بالحيوانات البشرية.
كمال ذبيان