موضوع حل الدولتين الذي يعاد طرحه مع الحرب التدميرية الاجرامية الاسرائيلية على غزة، ينهي ازمة الصراع الفلسطيني – “الاسرائيلي”، لان مثل هذا الحل بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، واخرى “اسرائيلية”، ترفضه “اسرائيل” لان مشروعها توسعي استيطاني للوصول الى تنفيذ هدفها الديني التوراتي، باقامة “اسرائيل الكبرى” على “ارض الميعاد” من “الفرات الى النيل”.
فالمسألة ليست في ترسيم حدود بين “دولتين”، بل في وجود احدى هاتين الدولتين في حدود جغرافية، وقد رسّم العرب حدود “دولة فلسطين” على انها عند حدود العام 1967 في مبادرة السعودي عبدالله في قمة بيروت عام 2002، وهي اراض احتلها العدو في الضفة الغربية وغزة والجولان، وصدر قرار عن مجلس الامن الدولي حمل الرقم 242 يقضي بانسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلي من هذه الاراضي دون قيد او شرط، لكن الكيان الصهيوني ومنذ 5 حزيران عام 1967 لم يطبق هذا القرار ولا غيره من القرارات الصادرة عن الامم المتحدة.
فالصراع في فلسطين هو على الارض ومن يملكها ومن هو صاحبها، وهو الامر نفسه مع لبنان وسوريا والعراق والاردن، وهي دول تقع ضمن حدود “اسرائيل الكبرى”، التي ما زالت هدفا يهوديا ولا تراجع عنه منذ “اباء الصهيونية”، الذين اسسوا لهذا المشروع وبدأ مع هرتزل في مؤتمر “بال” عام 1897.
ومَن يدعو الى حل سلمي مع العدو الاسرائيلي لا يعرف خطته التي تقوم على القتل وارتكاب المجازر، وتهجير السكان، ومصادرة الاراضي والمنازل، وضم الاراضي وبناء المستوطنات مع استقدام اليهود من العالم، عبر هجرة منظمة قامت بها “حكومات اسرائيلية” متعاقبة ومنظمات يهودية ، وشاركت فيها احزاب علمانية ودينية ومن اليمين الى اليسار.
فالتشخيص للمسألة الفلسطينية من انظمة عربية خاطئ، يقول مرجع من المهتمين والمتابعين بالصراع الفلسطيني – “الاسرائيلي”، كما العربي – “الاسرائيلي”، فاذا لم تُعرف الخطة الصهيونية، لا يمكن قيام خطة نظامية معاكسة ضدها، والانظمة العربية التي اختارت نهج “السلام” وعقدت معاهدات مع العدو الاسرائيلي، وقررت الخروج من الصراع معه، فهي تدافع عن انظمتها، مثل النظام المصري الذي لم تقدم له معاهدة “كامب دايفيد” ما ظنه الرئيس انور السادات انه “الازدهار والرخاء”، وهو ما اعتقده الملك الاردني حسين ايضا في اتفاق “وادي عربة”، الذي ذهب اليه لحماية عرشه وحكم آل هاشم على مملكة مُنحت لهم في شرق الاردن من قبل الاستعمار البريطاني، حيث القلق في عمان من ان تعود “الضفة الشرقية” الى الفلسطينيين وتكون “الوطن البديل لهم”، وهو مشروع “اسرائيلي” مطروح منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، ويعاد التداول به، بترحيل “الفلسطينيين في الضفة الغربية” الى الاردن، الذي رفضه، كما رفضت مصر تهجير الفلسطينيين من غزة الى سيناء.
لذلك، فان طرح “الدولتين” غير موجود في قاموس “اسرائيل”، التي لم تقبل قرار التقسيم الذي صدر بعد اغتصاب فلسطين في العام 1948 عن الامم المتحدة وحمل الرقم 181، بان تقوم “دولة فلسطينية” الى جانبها، فعهد الى الاردن “ادارة الضفة الغربية والقدس”، والى مصر “ادارة غزة”، الى ان استعادت الدولة العبرية “اراضي اسرائيل” من مغتصبيها وفق معتقدهم التوراتي، يقول المرجع الذي يشير الى ان حل “الدولتين” مقبول من العرب ومرفوض من “اسرائيل”، وهذا ما ظهر في “اتفاق اوسلو”، بين “الحكومة الاسرائيلية” برئاسة اسحق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات الذي لم يحصل على دولة، بل على سلطة مجتزأة على قسم من الضفة الغربية، التي تبني “اسرائيل ” على اراضيها آلاف المستوطنات بعد قضم اراضيها واقامة جدار عنصري فاصل، ورفض اعتبار القدس عاصمة لدولة فلسطينية موعودة، واعترفت اميركا برئاسة دونالد ترامب عاصمة “لدولة اسرائيل”، مما زاد من تقدم اليمين الصهيوني المتطرف، وفوز الاحزاب الدينية بالسلطة التي تعمل لاقتلاع الفلسطينيين.
فالانطمة العربية التي تهافتت لاقامة “سلام” مع “الدولة العبرية”، قاصرة عن فهم الصراع مع العدو الاسرائيلي، وهي دول ليست معنية به مباشرة، ودخلته في ازمنة كان فيها قادة كبار كجمال عبد الناصر والملك فيصل وحافظ الاسد والمقاومة الفلسطينية، فهؤلاء كانوا يعلمون باطماع اليهود وخططهم في السيطرة على فلسطين كما على العالم بالاستيلاء على قراره، عبرمنظمات صهيونية نشأت لهذا الهدف، وكان التغلغل في الادارة الاميركية، عبر ما يسمى “اللوبي اليهودي” او “الايباك”، بحيث يعترف المرجع بانه لم يكن للعرب لا سيما جامعتهم اي خطط او مشاريع، وعندما لجأوا الى “الدفاع العربي المشترك” لم يحسنوا الاداء، وقام كل نظام عربي يبحث عن حل منفرد يحمي حكمه، وكذلك لم تُبن جيوش عربية للتصدي للمخطط الصهيوني التوسعي، وحدها المقاومة في فلسطين هي التي اعادتها الى الفعل، حتى بعد ان وقع عرفات “اتفاق اوسلو”.
فحل الدولتين لا يقدم ولا يؤخر في الصراع مع العدو الاسرائيلي الذي لن يتوقف، وان نموذج المقاومة في لبنان، هو الحل واللغة التي يفهم بها العدو الاسرائيلي وغزة نموذج ثان
كمال ذبيان-الديار