اقتربت حرب الابادة الاسرائيلية على غزة من اختتام شهرها الثاني، ولم يتدخل مجلس الامن الدولي لوقفها، لان اميركا تستخدم “الفيتو” ضد كل قرار يمس بأمن الكيان الصهيوني وبقائه، وهي شجعت “اسرائيل” على هذا العدوان، فلم يعمل مجلس الامن بما هو مطلوب منه وفقا لمهامه وصلاحياته بتعميم الامن والسلام في العالم، لان مصالح الامم تتقدم على ميثاق الامم المتحدة، الذي وافقت عليه ووقعته الدول لصيانة حقوق الشعوب، وحماية حريتها وسيادتها وتقرير مصيرها، حيث تُرك الشعب الفلسطيني وحيداً، منذ اغتصاب جزء من ارضه في فلسطين عام 1948، واستكمل احتلالها العدو الاسرائيلي في حزيران عام 1967 في الضفة الغربية وغزة وسيناء وهضبة الجولان السورية، ولم يطبق الكيان الصهيوني القرارات الدولية لا سيما 242 و338، التي تدعوه للانسحاب من الاراضي التي احتلها حتى حدود 4 حزيران 1967.
على هذين القرارين بنت الانظمة العربية، التي حضرت مؤتمر “مدريد للسلام” عام 1991 ، قبولها الحل السلمي مع الكيان الصهيوني، الذي ضرب بعرض الحائط كل القرارات والقيم الانسانية، هذا ما ظهر في عدوانه على غزة، فلم يوفر بجرائمه الاطفال والنساء والعجزة ولا المستشفيات ولا المرضى، كما المدارس التي لجأ اليها النازحون، فقصفها جيش العدو الاسرائيلي وارتكب مجازر فيها، وبعضها تابع لوكالة “غوث اللاجئين” (الاونروا) وهي احدى مؤسسات الامم المتحدة، التي لم تسارع الى حمايتها واتخاذ الاجراءات العقابية ضد العدو الاسرائيلي، لا بل ان دولاً انحازت الى “اسرائيل” واعتبرتها تدافع عن نفسها، وان حركة حماس هي “منظمة ارهابية”، حتى ان بعض الدول العربية سارت في ركاب هذا التوصيف مسايرة لاميركا.
فما يقوم به العدو الاسرائيلي من اجرام تحرّمه القوانين الدولية وحقوق الانسان، فاعتدى على كل شيء ليس في غزة فقط، بل في الضفة الغربية التي قتل فيها نحو 300 مواطن ودمر المنازل، واعتقل نحو 2500 شخص، واستهدف الصحافيين والاعلاميين في فلسطين، فقتل في غزة 60 منهم وفي لبنان ثلاثة، وهذا ما فعله ايضا في الجسم الطبي متنكرا للانسانية التي لا يمارسها، ولم يلتزم بها الكيان الصهيوني في كل حروبه التي شنها في فلسطين ولبنان وسوريا.
ولم يحرك العالم ساكناً، تجاه المجازر التي يرتكبها “الجيش الاسرائيلي”، وهذا تاريخه الدموي، والامم المتحدة اجتمعت دون ان يكون لها اي تأثير في “الحكومة الاسرائيلية” برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي لم يتوقف هو وزراء معه في الائتلاف اليميني الديني المتطرف، عن الدعوة الى القضاء على الشعب الفلسطيني في غزة، تحت عنوان القضاء على حركة حماس التي نفذت كتائب القسام التابعة لها عملية “طوفان الاقصى”، التي هزت الامن “الاسرائيلي”، واسقطت هيبة “الجيش الذي لا يُقهر”، فخسر ثقة المستوطنين الصهاينة به بانه يضمن حمايتهم، ويحفظ بقاءهم في الدولة الموعودة والمزعومة المسماة “اسرائيل” من “الفرات الى النيل”.
فالقمة العربية – الاسلامية التي عقدت في الرياض، اعتمدت الديبلوماسية لوقف الحرب على غزة وردع “الحكومة الاسرائيلية” عن الاستمرار في حربها التدميرية، وكان لا بدّ من هذه القمة لاثبات الموقف المبدئي، ضد مواصلة الحرب وضرورة وقفها وادانتها، والعمل على المبادرة العربية “للسلام” التي اعلنها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله في قمة بيروت عام 2002، فلم تسلك طريقها الى التنفيذ بسبب التعنت “الاسرائيلي”، وتساهل دول عربية وتنازلها امام العدو الاسرائيلي والتطبيع معه، وفق قراءة لديبلوماسي عربي، الذي لا يرى ان الصراع مع الكيان الصهيوني يقوم على الحل السياسي، والذي بوشر في اتفاقيات “كامب دايفيد” و”اوسلو” و “وادي عربة”، التي لم تأت بالسلام ولم تعد الحقوق للفلسطينيين، الذين ارتضوا بحل الدولتين، لان “اسرائيل” راوغت واسقطت “اوسلو”، وذهبت الى اتفاقات منفردة واقامت تطبيعاً مع انظمة عربية، دون الالتفات الى حقوق الفلسطينيين.
فالمقاومة في غزة وتوأمها في الضفة الغربية وسندها في لبنان تقوم بواجبها، ويستبسل الشعب الفلسطيني في الدفاع عن وجوده، في وقت تقوم انظمة عربية ومجموعات تابعة لها بالهجوم على دول شقيقة، تحت عنوان تخاذلها وعدم القيام بمهامها القومية، لاظهار حالة الانقسام العربي تجاه القضية الفلسطينية، التي كانت تجمع العرب على انها قضيتهم المركزية، ولكنهم ابتعدوا عن هذا الاجتماع.
يقول المصدر ان كل دولة تقرأ في كتاب مصالحها، دون النظر الى ما يتعرض له الفلسطينيون من قتل وتهجير وتدمير منازلهم، فتحركت شعوب العالم منتصرة لغزة وداعمة لحرية وتحرير فلسطين، وهذا ما لم تقم به دول عربية كمثل وقف الامارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب العمل “باتفاق ابراهاما”، الذي كان من ضمن مشروع “صفقة القرن” للرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، الذي ابرم من دون مقابل وتراجع عن شعار “الارض مقابل السلام” وتحديداً حقوق الفلسطينيين، والذي تحت سقف هذا الاتفاق “الابراهاما” يتسلل العدو الصهيوني للتطبيع واقامة علاقات مع انظمة عربية، اصابها “الحوَل السياسي” والانتقاد “الانتقائي” بذم دول عربية لم تقم علاقات مع “اسرائيل” وتدعم المقاومة، مما زاد من ارتفاع عدد الدول العربية المطبّعة مع الكيان الصهيوني.
هذه الدول لم تلجأ الى قطع علاقاتها مع العدو الاسرائيلي، الذي يستفيد من هذه الدول، التي لم تنزل العلم “الاسرائيلي”، وتقفل السفارات، وتصطف مع الشعب الفلسطيني والدول التي تسانده لمقاومة العدو الاسرائيلي، ومواجهة حربه المدمرة على غزة، وابرزها سوريا وايران اللتان احتضنتا حركات المقاومة، كما رفضت مصر والاردن، مشروع تهجير الفلسطينيين اليهما، وهو مشروع “اسرائيلي” او ما يسمى “ترانسفير” من غزة الى سيناء ومن الضفة الغربية الى الضفة الشرقية، التي هي الاردن اليوم، ليكون للفلسطينيين “الوطن البديل” بالرغم من ان كل من مصر والاردن اقاما علاقات مع العدو الاسرائيلي، لكنهما باتا يشعران بخطورة مشروعه.
ويكشف المصدر عن توجه الى موقف عربي اكثر جذرية، اذا استمرت الحرب التدميرية التي كشفت عن وجه “الدول العبرية” الحقيقي، التي باتت تحرج كل دولة تقيم علاقة معها، دون ان تعطي الفلسطينيين حقوقهم، وهذا ما ورد في المبادرة السعودية التي تحولت عربية، والتي اشترطت اقامة دولة فلسطينية مع حقوق كاملة لفلسطينيين، لاقامة علاقة مع “اسرائيل”، وهذا ما يجب ان يعجل في اتخاذ الدول المطبعّة مع “اسرائيل”، قراراً بوقف العلاقة الديبلوماسية بسحب السفراء، والغاء كل تعاون سياسي وامني واقتصادي مع الكيان الصهيوني.
وترتفع اصوات لبعض المسؤولين في دول عربية، باتهام دول بالتخاذل ومنها ايران وسوريا، فاحتضنتا المقاومة من لبنان الى فلسطين، وباتت السعودية اقرب الى طهران من دول اخرى، وتقرّ بدور ايران في الوقوف مع فلسطين وان حركة “حماس” لاقت في ايران الحليف وبحزب الله النصير والسند، حيث تحاول جهات عربية، زرع الشك والشقاق، بين دول عبر توجيه اتهامات الخيانة والتخاذل، دون ان تقوم الدول المطبعة بقطع العلاقات مع “اسرائيل”.
كمال ذبيان-الديار