عادة إذا ما حوصر القط في زاوية ضيقة وتأكد من صعوبة النجاة يتحول لا إرادياً إلى الهجوم فيما يشبه عملية «انتحار» إجبارية، وهذا ينطبق تماماً على النظام الإيراني إذ يمكن تشبيهه بالقط العجوز الذي سقطت أنيابه وضعفت مخالبه ويعيش أيامه الأخيرة اعتماداً على المواء ونفخ نفسه بجانب دفاع صغار القطط عنه، ومع بدء التحرك الأمريكي العسكري لحشر هذا القط العجوز في الزاوية، إثر تقليم مخالبه بالحصار الاقتصادي ليس من المستبعد أن ينتحر بعمل جنوني قد يصل إلى استهداف الشعب الإيراني نفسه.
الأجواء في المنطقة أجواء حرب ورائحة البارود تفوح من مياه الخليج ومن لم يسمع قرع طبول المعركة حتى الآن فهو يعاني من مشاكل سمعية بلا شك.
لم تأت الحشود العسكرية الأمريكية الكبيرة إلى مياه الخليج العربي خلال الأيام القليلة الماضية بهدف التنزه أو الاستعراض الذي قد يحمّلها فاتورة خسائر مالية باهظة دون تعويض، والإيرانيون يدركون ذلك جيداً، فقد شنفت أسماعهم، أمس الأول، أصوات قاذفات بي 52 (وهي السلاح الأمريكي الأكثر إثارة للرعب) خلال إنجازها أولى مهامها في سماء الخليج بعد غياب استمر سنوات.. غياب بدأ منذ إسقاط نظام صدام حسين في العراق وانتهى أمس الأول.
القط الإيراني العجوز الذي يعيش حالياً أسوأ أيامه على الإطلاق حاول اختبار جدية الأمريكيين دون أن يدين نفسه من خلال عملية «رصاصة الغيب» المتمثلة في تخريب عدة سفن في المياه الإقليمية بخليج عُمان، إذ ما زال ينكر أي علاقة له بها، ويتهم طرفاً ثالثاً لم يسمه بمحاولة جر المنطقة إلى الحرب، وهذه بالطبع مسرحية قصيرة من مسرحيات النظام الإيراني المستهلكة، فإدارة الرئيس الأمريكي ترامب تعرف جيداً الفاعل واعتادت على غبائه السياسي، ولذلك قررت أن تريه جديتها بشكل لا غشاوة فيه، خصوصاً بعد تلقيها معلومات استخباراتية تحذر من تحركات عسكرية إيرانية في الخليج، من خلال نقل صواريخ بالزوارق، تزامناً مع أنباء عن إيعاز طهران إلى مليشياتها في العراق بتهديد القوات الأمريكية.
طوال 4 عقود لعب الإيرانيون مع واشنطن لعبة شد الحبل، وكانت تنجح دائماً لدرجة أنهم تمكنوا من تحقيق فوز تاريخي بتوقيع الاتفاق النووي بالتعاون مع إدارة الرئيس الأمريكي الضعيف أو الأحمق «باراك أوباما»، وهذه ليست شتيمة بقدر ما هي وصف لحالة حقيقية، فالأحمق يريد أن ينفعك فيضرك، وكذلك فعل أوباما عندما زعم أنه وقع الاتفاق النووي مع طهران بهدف حفظ أمن حلفاء أمريكا في العالم، لكن لعبة شد الحبل انتهت بوصول الرئيس الجمهوري القوي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، ذلك لأنه رئيس يعرف ما يريد جيداً ولا تقنعه هذه اللعبة القديمة، كما أن كل قراراته وتصريحاته منذ توليه مهامه تشير إلى أنه شخص لا يؤمن بأنصاف الحلول أو ترحيل المشاكل، وهذا ما أدركته طهران في وقت متأخر جداً.
يدّعي الإيرانيون دائماً أنهم الورثة الشرعيون لـ«حكمة الفرس القدماء»، لكن المرجح أن الأيام المقبلة ستكشف للعالم أجمع أن القط العجوز المسمى بالنظام الإيراني ليس سوى «جنازة مخبول» تأخر دفنها كثيراً!
“عكاظ” / هاني الظاهري / كاتب سعودي