قبل عامين وفي كانون الثاني من العام 2022، اعلن رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري تعليق العمل السياسي، حيث تزامن قراره مع استحقاق الانتخابات النيابية في شهر ايار من العام نفسه، فلم يشارك فيها ترشيحاً، لا سيما الملتزمين رسمياً في “التيار الازرق”، وترك الخيار امام محازبيه ومناصريه للاقتراع وفق القناعات الوطنية والسياسية، وخرج من رشح نفسه بصفته الشخصية، ومن فاز من المرشحين الذين هم على مسافة سياسية قريبة من “بيت الوسط” كانوا بحدود ثمانية نواب، وقد يرتفع العدد. وهذا ما ترك الرئيس نبيه بري الى التذكير مؤخراً بان “تيار المستقبل” حصل على 24% من الانتخابات النيابية، مرحباً بعودة الحريري الى العمل السياسي.
وتكثر مع اقتراب الذكرى 19 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري التحليلات و”السيناريوهات” والتوقعات والتساؤلات في ذكراه هذا العام، هل يعود عن قراره في تعليق العمل السياسي، ويبقى في لبنان مع تياره السياسي؟ هل يعاود نشاطه الذي لم يتوقف مع “تيار المستقبل”، وان تراجع لاسباب سياسية وادارية ومالية؟ لكن لا بد من التأكيد على ان الحريري كان حاضراً في الانتخابات النقابية والطلابية، وواصل عمله التنظيمي، وكان يتحضر لعقد مؤتمر مع توقف مؤسساته الصحية والاجتماعية والتربوية عن تقديم الخدمات كما كانت سابقاً، لاسباب مالية.
فالعودة السياسية للحريري مرتبطة بقراره الشخصي هو، وما يملك من معطيات وفق ما تؤكد مصادر عدة في “تيار المستقبل”، الذي يتحضر لاستقباله شعبياً. وقد بدأ امينه العام احمد الحريري يعد لوجستياً لهذا الاستقبال، الذي سيبدأ عند ضريح الشهيد رفيق الحريري في وسط بيروت، ليمتد على بعد كيلومتر الى “بيت الوسط”، الذي سبق واستقبل حشوداً في مراحل عدة، اذ يعمد منظمو الحشد الشعبي الى الطلب من الحريري ان لا يتركهم هذه المرة تحت شعار “انزلوا ليرجع”، وهو قريب من شعار سابق استخدمه “التيار الوطني الحر” وهو “عون راجع”، ليستبدل “بسعد راجع”.
فلا احد يعلن اذا كان سعد سيرجع الى العمل السياسي، وهو قرار لا يملكه لوحده، بل له علاقة بالسعودية الراعية “للحالة الحريرية” التي بدأت تظهر مع رفيق الحريري في نهاية سبعينات القرن الماضي، وبدأت تتعثر منذ العام 2017، بعد ان استدعي سعد الحريري وكان رئيساً للحكومة الى الرياض، ومن هناك اعلن استقالته في 4 تشرين الثاني، حيث بدأت العلاقة بين المملكة و”الحريرية السياسية” تمر بهبوط وصعود، وكان العامل الخارجي يساعد على اعادة العلاقات بين الطرفين، لاسيما من فرنسا في زمن الرئيس فرنسوا هولاند، كما مصر والامارات المتحدة وتركيا.
فمع تولي الامير محمد بن سلمان السلطة في السعودية كولي للعهد، واعتماد “نهج اصلاحي” جديد وفق رؤية 20/30، فقد بدأ بالسؤال عن اموال جناها افراد من العائلة المالكة، وحاشية من المحيطين بهم، ولحقت سعد الحريري “طرطوشة”، وفق ما ينقل مصدر مطلع على الوضع السعودي، اذ بدأ بن سلمان بفتح الملفات والدفاتر، وكانت شركة “اوجية” في السعودية من الذين تأثروا بذلك، وتمت تصفيتها واعلان افلاسها بمزاد علني قبل سنوات، وانتهى الوجود الاستثماري لسعد الحريري في المملكة، وانتقل الى ابو ظبي لاعادة تكوين ثروة، التي كان لبعض المحيطين به دور في تبديدها، ان كان في علمه او غافلا عن ذلك، كما تقول معلومات مَن يعرفون الحريري.
وقد تأذى الحريري ايضاً من داخل عائلته، حيث هناك مَن مرأى في سقوطه السياسي والمالي فرصة حتى يتقدم ليستعيد الوراثة السياسية للحريرية، فظهر بهاء النجل الاكبر لرفيق الحريري وقدم نفسه الوريث الشرعي، فلم يلق الدعم السعودي ولا الترحيب من مرجعيات سنية سياسية ودينية لا سيما دار الفتوى، فخرج باكرا من العمل السياسي والاعلامي، بعد ان جاءت نتائج الانتخابات النيابية ليست لصالح لوائح دعمها، اضافة الى انه لم يتمكن من الاستثمار السياسي في ما سمي “ثورة 17 تشرين الاول”، التي اندلعت عام 2019 ودفعت بسعد الحريري الى الاستقالة. وتبين ان مَن حركوا الشارع كان هدفهم اطلاق فوضى خلاقة في لبنان، وهو ما حصل بالانهيار الذي وقع فيه لبنان على كل الصعد وما زال، وتسببت بذلك السلطة الحاكمة منذ عقود وارتكبت الفساد وسرقت اموال الدولة، ونهبت المودعين بالتواطؤ مع مصرف لبنان والمصارف ورجال اعمال وتجار احتكاريين.
فالحريري الذي يفصله اسبوع عن احياء ذكرى والده، لم يأخذ الضوء الاخضر السعودي ليبقى او يغادر ، وان المملكة التي تعطي اهمية للبنان وتتابع اوضاعه، وتعمل قيادتها فيه تحت عنوان بان لا وكيل لديها فيه بهذه المرحلة، وقد ابتعدت عن حلفائها كالحزب “التقدمي الاشتراكي “الذي وجه رئيسه السابق وليد جنبلاط مؤخرا انتقادات مبطنة للقيادة السعودية الحالية، وكذلك “القوات اللبنانية” التي حصلت برودة بالعقلاقة معها، وان الزيارة الاخيرة للنائبين وائل ابو فاعور وملحم رياشي الى الرياض كانت استطلاعية فقط.
فعودة الحريري الى لبنان لم تمر بالرياض، التي زارها الصيف الماضي وحضر حفل تخرج ابنه والقى كلمة وغادرها دون ان يلتقي ايا من المسؤولين، وتقول مصادر “تيار المستقبل” ان العلاقة بين الحريري والسعودية قد تتحول الى ايجابية، وتؤكد المصادر بأن تطورا ما سيحصل وسيكون له انعكاسا جيدا على العلاقة مع المملكة. فالتقارب السعودي – الايراني الذي وصل الى حد التوافق وتبادل السفراء، لا بد انه سيترجم لصالح لبنان وعلاقة الحريري مع المملكة، التي اقتنع مسؤولوها الى ما كان يمارسه سعد في لبنان وهو “صفر مشاكل” مع حزب الله، حيث حاول حينها سعد الحريري مع الحزب ان يخرج لبنان من اي صراع داخلي لاسيما سني – شيعي، وفضل تعليق عمله السياسي على ان يذهب الى صدام مع حزب الله، اليس هذا ما يمارسه وليد جنبلاط حاليا؟
فالضبابية تسود ليس بعودة سعد الحريري المؤكدة والاستقبال الشعبي له والذي يجري الاعداد له، انما الوقت الذي سيقضيه ، وهل سيكرر ما فعله العام الماضي عندما حضر الى الضريح وغادر بعد 72 ساعة اثر زيارتين له الى دار الفتوى حيث التقى المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان ، والى عين التينة حيث زار الرئيس نبيه بري؟
قرار البقاء هو بيد رئيس “تيار المستقبل” الذي يتوقف على ما سيقوله في كلمته. يذكر هنا انه لم يتم توزيع برنامج الذكرى وعما اذا كان يتضمن كلمة للحريري. وتكشف مصادر عليمة بان الحريري سيكرر ما فعله في السنة الماضية، وهو سيغادر بيروت بعد 72 ساعة لانه لا يملك بعد الجواب السعودي النهائي حول عودته للعمل السياسي. فالرياض ما زالت تدرس كل الخيارات، وقد اقتنعت بانه لا توجد مرجعية سياسية سنية وازنة، فركزت على دعم المرجعية الدينية المتمثلة بالمفتي دريان، الذي تم التمديد له برضاها وموافقة الحريري، الذي وصفه النائب آلان عون “برجل التسويات”، وقال له “اشتقنالك”.
فهل يعود الحريري مع تسوية تنطلق من المنطقة الى لبنان؟ وهو ما فعله عام 2016 بعد غياب سياسي دام خمس سنوات، حيث عاد وانتخب ميشال عون رئيسا للجمهورية؟
كمال ذبيان- الديار