دعا رئيس حزب “القوّات اللّبنانيّة” سمير جعجع، إلى “الاحتكام إلى عمليّة انتخابيّة لرئيس الجمهوريّة والقبول بنتائجها، كما حصل في انتخابات رئاسة المجلس النّيابي الأخيرة. ونحن لم نصوّت لرئيس مجلس النّواب نبيه بري ولنائبه، ورشّحنا نائبًا آخر لنيابة رئاسة المجلس، وقبلنا بنتيجة الانتخابات”، داعيًا “حزب الله” إلى “خوض الانتخابات الرئاسية بأقوى ما عنده من جهود، والالتزام بالقواعد الدّيمقراطيّة”.
وحدّد في حديث لصيحفة “الأنباء” الكويتيّة، مواصفات رئيس الجمهوريّة العتيد، بـ”المرشّح القادر على الفوز، الّذي لديه حدّ أدنى للقدرة على تحقيق جمهوريّة لبنانيّة منشودة”. وتحدّث عن تقاطُع مع مرجعيّات أخرى منذ 8 أشهر حول الوزير الأسبق جهاد أزعور، مشيرًا إلى “فرق لا يُردم في وجهات النّظر مع محور الممانعة. هم يريدون رئيس جمهوريّة دمية يَعتمد سياستهم ونظرتهم إلى الأمور، كما حصل منذ ثماني سنوات. في حين نريد رئيس جمهوريّة يتمتّع بقرار مستقل وصاحب شخصيّة بمنحى جمهوري ودستوري، ويقدّم مصالح الجمهوريّة على أي شيء آخر”. وعن التّفاهم مع “محور الممانعة” حول رئيس للجمهوريّة، أكّد “أنّنا لم نصل إلى تفاهم، ولم نستطع ذلك”.
وكشف جعجع أنّ “اللجنة الخماسية تحاول وبكلّ نيّة طيّبة الوصول إلى حلّ، بتأمين إجراء انتخابات رئاسيّة. ويتساءل أفرادها: كيف يكمل لبنان من دون رئيس للجمهوريّة؟”، مبيّنًا أنّهم “لم يصلوا حتّى الآن إلى نتيجة، وأتمنّى عليهم إكمال المهمّة ومواصلة المساعي، للوصول ربّما إلى شيء مقبول، دون ضرب الدّستور والتخلّي عن قناعاتنا ومبادئنا”.
وشدّد على “أنّنا لا نرفض الحوار الحقيقي، بل نرفض طاولة حوار رسميّة برئاسة رئيس المجلس، ونرفض تكريس عرف مخالف للدّستور”. وأعطى أمثلةً عن انتخابات رئاسة مجلس النّواب وتسمية رئيس الحكومة، متسائلًا: “هل دعا رئيس الجمهوريّة إلى حوار في هاتين المسألتين؟ هناك آليّة دستوريّة يجب أن تطبَّق، ولمَ علينا وضع برّي وصيًَّا على انتخابات رئيس الجمهوريّة؟ لا توجد مادّة في الدستور اللبناني تتيح ذلك”.
واعتبر أنّ “الدّعوة إلى الحوار غير بريئة، ويشترطون ترؤس برّي للجلسات، في سياق استكمال محور الممانعة وضع يده على كلّ شيء في البلد، وهذا ما لن نرضى به”. وذكر “أنّنا اعتمدنا الحوار الحقيقي الجدّي بعيدًا من الإعلام مع الكتل النّيابيّة كلّها، ومع كتلة برّي بالذّات، وسنستكمل مع الأفرقاء بحوار جدّي فعلي، يقوم على الابتعاد عن مهزلة طاولة الحوار الرّسميّة”.
وسأل: “متى كان محور الممانعة مع الحوار؟ ونستعيد هنا تجربة رئيس الوزراء الرّاحل رفيق الحريري الّذي أصرّ على محاورة المحور، وماذا كان مصيره؟ ونصل إلى الحرب الدّائرة حاليًّا في جنوب لبنان، الّتي شنّها تنظيم مسلّح خارج أي شرعية لبنانيّة. قرار الحرب هذا ألم يكن يستأهل حوارًا؟”. وخلص إلى أنّ “محور الممانعة لا يحاور في الأشياء الّتي يضع يده عليها، ولا يرضى بتعاطي أحد معه، ويقصر الدّعوة إلى الحوار على أشياء لا تزال تحت سلطة الدّستور”.
وعن انكسار الجرّة بين “القوّات” وبرّي، أوضح أنّها “لم تنكسر، ذلك أنّنا التقينا مع برّي في بعض الجوانب السّياسيّة والمبدئيّة واللّبنانيّة. في حين لم نلتقِ في موضوع رئاسة الجمهورية، ذلك أنّ وجهة نظره غير مفهومة من قبلي. وأطالبه بالدّعوة إلى جلسات لانتخاب الرّئيس بدورات متتالية، بعيدًا من الجلسات الفولكلوريّة، حيث يبادر أعضاء في كتلته النّيابيّة إلى الخروج من قاعة المجلس بعد انتهاء الدّورة الأولى”.
وعمّا إذا كان التّوافق قائمًا بينهم وبين “التيار الوطني الحر” في ملفّات عدّة، كالنّزوح السّوري والموقف من وحدة السّاحات وغيرها، نفى ذلك، قائلًا: “لا، لا، لا. أنا الأكثر خبرة بالحركة العونيّة قبل خروجها إلى العلن، وأعود إلى أيّام تولّي العماد ميشال عون منصب قائد الجيش (1984- 1990)، وأقول: لا تصدّقوا أيّ شيء يطرحه التّيّار. بدءًا من دعوة عون في “حرب التّحرير” إلى تكسير رأس الرّئيس السّوري الرّاحل حافظ الأسد، بدعوى أنّ سوريا تريد أن تبتلع لبنان، وصولًا إلى جعل بلدة براد في سوريا مربط خيل الموارنة مع رئاسة الرّئيس السّوري بشار الأسد”.
وأضاف: “يقولون الشّيء ويفعلون نقيضه، كما في 1989، عندما رفض وجود تنظيم مسلّح (“القوّات اللّبنانيّة”) يقف إلى جانب الجيش اللبناني في عزّ الحرب الأهليّة، وشنّ حرب إلغاء ذهب ضحيّتها أكثر من ألف قتيل. وفي عزّ قيام الدّولة، قبل بتنظيم مسلّح غير شرعي (“حزب الله”) وتحالف معه ودافع عنه في المحافل الخارجيّة”.
ولفت إلى أنّ “المقياس في العلاقة مع “التيّار” هو نتيجة أفعاله، وليس ما ينادي به من شعارات. وبالتّالي لا تطابَق في وجهات النّظر، ونعوّل فقط على الخطوات العمليّة. ننتظر ونحكم، ونشير إلى تقاطعنا معهم على ترشيح جهاد أزعور، وكان مفترضًا أن ينال 63 صوتًا إلى 64 في جلسة 14 حزيران 2023 منذ سنة تمامًا، ولم يمنحوه أصواتهم كاملة”. وعن استقبال رئيس “التيّار” النّائب جبران باسيل ضمن جولة يعتزم الأخير القيام بها ويستهلها الإثنين من عند بري، أشار إلى “أنّني أتمنّى له كلّ التّوفيق… نريد الاطّلاع على مضمون المبادرة”.
وعن “رهان الفريق الآخر على تخلّي جعجع عن مشروع الدّولة، والتخلّي لاحقًا وتحت الضّغوط عن امتصاص غليان شارعه، كما فعل في جريمة قتل باسكال سليمان بالنّزول على الأرض ليلًا للتّهدئة”، جزم أنّه “أوعا حدا يراهن على هذه المسألة. متمسّكون بمشروع الدّولة، ولا انتصار جدّيًّا يتحقّق إلّا بالسّياسة لتأمين وضع مستقر. لطالما كانت رهاناتهم خاطئة، لجهة تخلّينا عن مشروع الدّولة، وهذا لن يحصل”.
كما علّق على دور حزبه، بالقول: “القوّات” حاضنة وطنيّة، وهذا ما برز في لقاء المعارضة الأخير في معراب، إذ لبّى الجميع الدّعوة، في حين لم تتمّ دعوة البعض”. وعن “صرف الحضور النّيابي الكبير للقوات على السّاحة السياسية”، أجاب: “تصوّر المشهد السّياسي الحالي من دون “القوّات”. أين كان الوضع؟ كان رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجية انتُخب رئيسًا للجمهوريّة، ووَضعت الممانعة يدها بالكامل على البلاد، وتدهورت الأوضاع أكثر”.
وتابع: “حصلنا على توكيل شعبي غير حاسم، بمعنى الأكثريّة النّيابيّة السّاحقة، ورغم ذلك نقوم بمنع الأمور السّيئة. وأعطي أمثلة عن موضوع النّازحين السّوريّين غير الشّرعيّين، وما تمكنّا من تحقيقه مع البلديّات انطلاقًا من ثقلنا الشّعبي، على رغم كوننا خارج السّلطة الرّسميّة، ولا نملك أي موقع يخصّنا سواء أكان موقعًا أمنيًّا أو غيره… نحن نعطي نتائج في الملفّات الّتي نتصدّى لها”.
وعن انتقاد البعض لترؤسه المعارضة، أكّد “أنّني لا أريد أن أترأس، ولا أريد شيئًا من هذا القبيل، وأنا راضٍ بموقعي الحالي. تمّ طرح مواضيع وطنيّة في لقاء المعارضة، وخير دليل على نجاحنا، ردّة فعل محور الممانعة، والحملة الّتي شنّها على اللّقاء”.
وخاطب جعجع الجيل الجديد قائلًا: “أقدّر صعوبة الظّروف الّتي يمرّ بها، وربّما البعض وبخلاف جيلنا يدرس على ضوء الشّمعة في غياب الكهرباء، ويواجه أيضًا ظروفًا اجتماعيّةً واقتصاديّةً صعبةً للغاية. رهاننا التمسّك بالبلد، ذلك أنّ الوطن ليس فندقًا، نبحث عن فندق آخر وقت تراجع الخدمات فيه”، مركّزًا على أنّ “دعوتي إلى الجيل الجديد التّمسّك بلبنان. وأشدّد على الانضواء في أحزاب سياسيّة، على رغم وجود أحزاب سيّئة، ذلك أنّه من دون أحزاب مستحيل الوصول إلى نتائح متقدّمة على صعيد إحداث التّغيير، ومفهوم الأحزاب في كلّ الدّول أساسي”.