من توقع او تنبأ ان لا ينتخب مجلس النواب الحالي رئيس الجمهورية، كان ينطلق من واقع ان لا تحريك فعليا للاستحقاق الرئاسي كي ينجز داخليا وخارجيا رغم المبادرات، والذي انهى شهره الـ 19 دون ان يتقدم اي حل باتجاه انهاء الشغور الرئاسي، الذي قد يطول مع عدم تلمس عمل جدي في المدى المنظور، ربطا بان الاطراف الداخلية على مواقفها كما على مرشحيها لرئاسة الجمهورية، وهم عمليا اثنان تنافسا قبل عام في 14 حزيران في جلسة حملت الرقم 12 وهما رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد ازعور، ولم يتمكن اي منهما من احراز الثلثين من اعضاء مجلس النواب (86 صوتا) ، بل حصل فرنجية على 51 وازعور على 59.
وخلال عام من عدم انعقاد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، كان الاطراف اللبنانيون يلعبون في الوقت الضائع بمبادرات تقوم بها بعض الكتل النيابية ، او اطلاق مواقف او نداءات من المراجع السياسية والدينية لاستعجال الانتخاب، في وقت فتح رئيس مجلس النواب نبيه بري باب الحل باقتراح يدعو لحوار داخلي بين الكتل النيابية، وبفترة زمنية حددها بسبعة ايام، وبعدها تبدأ جلسات الانتخاب. فاذا حصل التوافق على مرشح تتم العملية الانتخابية من الدورة الاولى، واذا لم يحصل فان مجلس النواب يذهب الى جلسات اخرى، ارادها الفريق المعارض والممثل بحزب “القوات اللبنانية” وحزب “الكتائب” وحلفاء لهما، ان تكون متتالية ومفتوحة، في حين يصر بري على صلاحياته في افتتاح الجلسات واقفالها والدعوة اليها، ويرفض التنازل عن دوره الحواري بين اللبنانيين بدل التصادم.
بري بادر باقتراح الحوار في آذار عام 2006 حيث كان لبنان على شفير حرب اهلية، في ظل انقسام سياسي افرزه اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وانخراط فريق 14 اذار في خطة تطبيق القرار 1559 الذي اصدره مجلس الامن الدولي، ودعا الى انسحاب الجيش السوري من لبنان ونزع سلاح حزب الله، ورفض التمديد للرئيس اميل لحود لنصف ولاية في ايلول من العام 2004 . فتمكن بري قبل عقد طاولة الحوار في مجلس النواب، من نسج تحالف رباعي ضم كل من “تيار المستقبل” والحزب “التقدمي الاشتراكي” من جهة، والثنائي حركة “امل” وحزب الله من جهة ثانية، وكان الهدف من هذا التحالف الانتخابي الذي اتخذ طابعا “اسلاميا” درء فتنة سنية – شيعية، كان بدأ التخطيط لها من خلال مشروع اميركي لمنطقة “الشرق الاوسط الكبير”، الذي تبناه الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الابن، تحت شعار “الفوضى الخلاقة” وضعها الاميركي، لرسم خارطة جديدة للشرق الاوسط الصهيوني برنارد لويس.
من هنا، فان الدعوة للحوار من قبل بري ليست جديدة، وهو مارسها باساليب مختلفة يقول مصدر مقرب من رئيس المجلس النيابي، الذي يذكر بالحوار بين “المستقبل” وحزب الله في عين التينة، وبين وليد جنبلاط وطلال ارسلان بعد احداث في الجبل، كما لم يفته ايضا رعاية حوار فلسطيني – فلسطيني. ويسأل المصدر لماذا الخوف من الحوار مع انسداد افق الحل الرئاسي في مهلة قريبة؟ يخطىء من يظن ويروج بان بري يقصد بالحوار تسويق مرشحه سليمان فرنجيه، لانه لم يضع جدول اعمال للحوار، بل هو محصور بعنوان واحد كيف يمكن التوصل الى حل لبناني يصنع رئيس الجمهورية، ومن يقول غير ذلك فليقدم الادلة.
ويضيف المصدر: ما يطالب به رئيس حزب “القوات” سمير جعجع الرئيس بري بالدعوة الى جلسة انتخاب وتركها مفتوحة، هو كلام سطحي وشعبوي وغرائزي، ويذكّر المصدر بان رئيس مجلس النواب كان اول من بادر وعملا بالدستور الى دعوة مجلس النواب الى جلسة انتخاب في ايلول من العام 2022 قبل نهاية ولاية الرئيس العماد ميشال عون، وعقد 12 جلسة ولم ينتخب رئيس للجمهورية، فكان اقتراحه للحوار والانتخاب، ولم يتمسك به عندما لم توافق عليه قوى سياسية ونيابية ومرجعيات دينية، لا سيما البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، الذي كان موافقا على الاقتراح ثم تراجع، وسأل المصدر ماذا فعل بري غير تطبيق الدستور؟
ويؤكد المصدر ان الكرة الرئاسية ليست في ملعب بري، بل هو رماها في ملعب القوى المسيحية عموما وجعجع خصوصا، الذي يخشى وصول فرنجيه الى رئاسة الجمهورية، لذلك عطل الحوار الذي لم يكن بري معارضا ان يتحول الى تشاور، كما اقترحت “كتلة الاعتدال الوطني” يقول المصدر، الذي يؤكد على ان بري ليس “ناطور مفاتيح” في مجلس النواب، فهو رئيسه ورئيس كتلة نيابية ورئيس حركة سياسية، وفاعل ومؤثر في الحياة السياسية منذ ثمانينات القرن الماضي، وهو مؤتمن على ارث الامام السيد موسى الصدر بان لبنان وطن نهائي لكل ابنائه وممارسة الديموقراطية التوافقية وصيانة الوحدة الوطنية.
شاهد أيضاً
باسيل: استقلال لبنان مهدد مرة أخرى
أكد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …