لم تكن العلاقة بين النائب جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية سمناً وعسلاً، فالتنافر بينهما بدأ منذ وقت طويل، ولم تنجح كل المساعي والمحاولات لكسر الجليد، كما ان الاستحقاق الرئاسي لم يرأب الشرخ الكبير، لا بل زاده اتساعاً ولو ان باسيل لم يعلن ترشحه للرئاسة وان الجميع يتفق ان حظوظه في الوصول الى قصر بعبدا تقارب الصفر. وفي حين ان هذا الامر كان من المفترض ان يقرّب بين الرجلين في وجه “الخصم” المسيحي الآخر اي رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، الا ان الواقع فرض معطيات اخرى ادّت الى اعتبار الاخير ورقة يلجأ اليها كل منهما لاغاظة الآخر.
ما وصلت اليه الاوضاع اليوم، تظهر بشكل واضح ان الجرّة انكسرت بين باسيل وفرنجية، وانه لم يعد هناك من مجال لاصلاح ذات البين، بعد ان نقل رئيس مجلس النواب نبيه بري عن رئيس التيار الوطني الحر قوله انه لن يسير بخيار الزعيم الزغرتاوي. في المقابل، كان فرنجية يلعب على وتر توتير خصمه اللدود من خلال اعتباره جعجع قوّة مسيحيّة مارونيّة اقوى مما يمثله باسيل، الذي عمد الى اخراج نفسه من محاولة محاصرته عبر فتح قناة اتصال مع بري وتسليفه موافقته على ترؤسه اي جولة حوار او مناقشات تحصل، لعلمه ان التواصل مع بري يغنيه عن الحديث مع اكثر من شخصية اخرى، ولادراكه ايضاً ان الفريق الذي يمثله رئيس مجلس النواب، لن ينزعج من امكان التفاوض مع التيار الوطني الحر وايجاد ارضية مشتركة يمكن البناء عليها للمستقبل، ولو ان الطرفين لا يثقان ببعضهما، ولكن في السياسة اللبنانية يفضّل العمل بشكل مرحلي على اعتماد التوافق الطويل الامد.
من الطبيعي الا ينسى باسيل تفضيل فرنجيّة جعجع عليه، تماما كما لن ينسى رئيس تيار المردة قطع السياسي البتروني الطريق عليه الى الرئاسة، وفتحه الطريق امام البحث عن مرشح ثالث جدّي (اي الابتعاد عن خيار فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون). ولكن في ظلّ تمسك الثنائي الشيعي بمرشحه حتى الرمق الاخير، ما فائدة الحركة التي قام بها باسيل؟ تجيب مصادر سياسية على هذا السؤال بالقول ان هذه الحركة امّنت لرئيس التيار الوطني الحر هامشاً من المرونة السياسية التي وضعته خارج مفاعيل المحاصرة التي كانت ستفرض عليه، واعادته الى الساحة كـ”بيضة قبّان”، واراحته من هجمات الفريق الذي يمثّله بري، والاهم من كل ذلك انها محاولة لاحراج فرنجية وجعجع معاً، الاول عبر “زكزكته” بإمكان البحث عن مرشح آخر توافقيّ، والثاني عبر وضعه في قفص الاتهام بأنه المسؤول عن تأخير ايجاد الحلول للمشكلة الرئاسية، وهو ما يهدد بإطالة عمر الازمة اكثر فأكثر. قد يكون باسيل غير مقتنع بما قام به، ولكنه على قناعة راسخة بأن هذا الامر يضعه في موقف افضل ويجعله اكثر حضوراً على الساحة السياسية من باقي القوى المسيحية المؤثرة، وقد استفاد من خطوط الاتصالات التي فتحها بقوة ليس فقط مع بري، بل ايضاً مع الحزب التقدمي الاشتراكي والنائب فيصل كرامي وغيرهم من قوى فاعلة تقرّبه من تحقيق المكاسب التي يطمح اليها، والتي تبعد في الوقت نفسه من يخاصمه بالسياسة.
عجلة السياسة في لبنان تدور كعجلة اليانصيب الوطني، وهي لا تثبت على موقف او تحالف او توافق، ويمكن ان تتغيّر بين ليلة واخرى، لذلك لا يمكن البناء على اي تحرك سياسي بأنه سيدوم لفترة طويلة، ويجب متابعته مرحلياً. وحدها الخلافات تدوم، ولا يشفع بها “الترقيع” المرحلي الذي يفتح الخطوط لفترة قصيرة قبل ان تعود وتنقطع. لهذه الاسباب يمكن اعتبار ان اصلاح العلاقة بين باسيل وفرنجية بات بعيد المنال.
شاهد أيضاً
باسيل: استقلال لبنان مهدد مرة أخرى
أكد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …