يعمل الزعيمان الدرزيان وليد جنبلاط وطلال أرسلان على ترميم بيتهما الداخلي قدر الإمكان وتشجيع قواعد حزبيهما على لمّ الشمل نتيجة جملة من الأخطار المحدقة بهما وبجميع اللبنانيين إذا تفاقمت الأوضاع في الإقليم واتجهت نحو الأسوأ. ولم يكن لقاؤهما في بيصور قبل أيام تفصيلاً، رغم أهمية المصالحة التي حصلت بين أسرتين من آل ملاعب محسوبتين على الحزب التقدمي الاشتراكي، في حضور حشد من مشايخ الطائفة وما يمثلون في بيئاتهم. كان في إمكان التقدمي إجراء هذه المصالحة بمفرده، لكن جنبلاط أراد إشراك أرسلان في المشهدية لإيصال جملة رسائل إلى الداخل والخارج، وإبراز دور هذا المكون وإظهاره موحَّدا في جبه التحديات الكبرى.
والحال أن الرجلين متمسكان بخط العروبة ونصرة القضية الفلسطينية ورفع اسم غزة وما تمثله، ولو ان مجموعة من الدروز في الأراضي الفلسطينية المحتلة تلتقي مع سياسات الحكومة الإسرائيلية ومشروعها في المنطقة. وبعد طيّ صفحة مصالحة بيصور يتواصل العمل على لملمة أوراق ما حدث في قبرشمون – البساتين عقب الزيارة الشهيرة لرئيس “التيار الوطني الحر ” النائب جبران باسيل لمنطقة الشحار، فضلاً عن مواصلة المساعي لإنضاج تسوية حادث الشويفات التي باتت في خواتيمها.
يتعاطى جنبلاط بحساسية عالية عند تدخله في أي أزمة تخص العائلات الدرزية، فيبذل الجهود الحثيثة لتطويقها ولو أدى به الأمر إلى فرض مخارج ربما لا تكون محل ترحيب عند كوادر في التقدمي. وقبل حلول أيلول المقبل، موعد انتخابات المجلس المذهبي الدرزي، يجري العمل من الآن على إخراج هذه العملية من دون إحداث أي شرخ في الطائفة، ولذلك تُبذل الجهود لتلافي أي “دعسة ناقصة” لا تصب في مصلحة الطائفة، ولا سيما أن حالة من التشنج لا تزال مفتوحة بين مجتمع المشايخ من دون تعميم، حيث هناك انقسام عمودي بين مجموعات لا بأس بها، علما أن البعض من الخط الأرسلاني لا يزال يعتبر إلى اليوم أن شيخ العقل الذي يمثلهم هو الشيخ نصرالدين الغريب لا شيخ العقل المنتخب وصاحب الموقع الديني الرسمي الشيخ سامي أبو المنى.
وفي موازاة ترتيب البيت المذهبي الداخلي، لا يوفر جنبلاط فرصة لتحصين أبناء طائفته أينما حلوا في الجبل والبقاع الغربي والجنوب وبيروت، وصولا إلى الدروز غير اللبنانيين، مع تشديده على إيجاد مناخات الاستقرار بين أبناء البيت الواحد وجيرانهم من المسيحيين والشيعة والسنّة. والواقع أن الحزب التقدمي يعبّر عن خيارات العروبة والقومية في هذا التوقيت، ليس من باب مسايرة محور الممانعة، بل إن موقفه هذا يدخل في صلب اقتناعاته من القضية الفلسطينية التي تبناها وأوصى بها الراحل كمال جنبلاط، ولو ان مواقف وليد جنبلاط ليست محل قبول عند جهات سياسية مسيحية اليوم لا تلتقي معه في مقاربة التعامل مع “حزب الله”.
ويرى جنبلاط أنه مهما انتهت إليه المواجهات المفتوحة في غزة وجنوب لبنان، فلن تؤدي إلى كسر شوكة جبهة المقاومة. ومن هنا أراد الطرفان الدرزيان من بيصور وما تمثله في وجدان الدروز، إيصال رسالة إلى كل من يعنيه الأمر في هذا الخصوص وتثبيت البعد اللبناني والاستراتيجي لهذا المكون، والرد على الإعلام العبري (الذي يصف الضباط والجنود الدروز في الجيش الإسرائيلي بالشجعان الذين يُقتلون في غزة) بأن لا غبار على عروبة الدروز أينما حلوا، وأنهم سيبقون على ثوابتهم الوطنية والقومية.
ولم تأت جملة جنبلاط من فراغ في نهاية كلمته إذ قال “أضم صوتي إلى صوت الأمير طلال أرسلان والرفيق غازي العريضي من بيصور أم الشهداء. ونحيي أم الشهداء غزة”. وفي ضوء ما تقدم، يعمل الطرفان على تمتين العلاقة القائمة بين نجليهما النائب تيمور جنبلاط ومجيد أرسلان.
وبعد إتمام مصالحة بيصور تناول جنبلاط العشاء في اليوم نفسه في منزل أرسلان، في حضور الوزير السابق مروان خيرالدين والسيد وجدي أبو حمزة. ولا يقصر خيرالدين في تجسير العلاقة بين المختارة وخلدة، وتعبّر فاعليات في الطائفة عن تأييدها للدور الجامع الذي يؤديه في هذا الإطار بعيداً من الإعلام. وقد لاقت مصالحة بيصور ترحيباً أيضاً عند الوزير السابق وئام وهاب الذي يهمّه تحصين الطائفة وتجنيب أهلها أي مشكلات، وتأكيد عروبتهم.
وترجح أوساط درزية أن يتعاون جنبلاط وأرسلان في الانتخابات النيابية المقبلة، من دون أن يعني ذلك وجودهما في لائحة واحدة بسبب طبيعة قانون الانتخاب النافذ، ويمكنهما استعادة المقعدين الدرزيين من أصل ثمانية إلى صفوفهما واسترجاع مقعدي النائبين مارك ضو في عاليه وفراس حمدان في حاصبيا. ويبقى أن هذا التلاقي سيمنحهما اليد الطولى إذا تحالفا في الانتخابات المقبلة التي بدأت بالتحضير لها جيداً من اليوم المجموعات التغييرية والمعارضة في الطائفة التي تنادي بالتصدي لـ”الإقطاع”، مع التذكير بأن أصواتاً اشتراكية لا بأس بها اقترعت لضو وحمدان في الدورة الاخيرة.
ويتلقّى كلّ من “أمل” و”حزب الله” بارتياح تمتين العلاقات بين جنبلاط وأرسلان، ومن المتوقع أن يستفيدا من الصوت الشيعي في دوائر المقاعد الدرزية. وثمة من يعتقد أن ممارسة “العصبية الانتخابية” هنا من طرف الحزب الديموقراطي لن تصب في مصلحته، وأنه من الأسلم له أن يكون على تفاهم مع التقدمي، ولا يعترض الأخير على هذا التعاون الانتخابي على الأرض.
يبقى أن الحزبين يُجمعان على القول إن ما يقدمان عليه من مصالحات وتمتين قواعد البيت الدرزي ليس لأهداف انتخابية، بل هو ترجمة للمصلحة العليا للطائفة وما تمثله من دور في تركيبة البلد.
شاهد أيضاً
باسيل: استقلال لبنان مهدد مرة أخرى
أكد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …