كتب خضر عواركة – خاص وكالة أنباء أسيا
على عكس ما هو متوقع من وزير تربية في بلد لا يملك سوى التعليم كي يفخر به، اتخذ الوزير أكرم شهيب قرارا صحيحا من الناحية القانونية بمنع قبول طلبات الترشيح لطلاب المدارس غير المرخصة، لكن قراره أتى في غير توقيته المناسب، وأتى منقوصاً بل أشد سوءا من الجريمة نفسها.
فهو اوقف عملياً الضحية وعاقبها وترك المجرمين أحرارا.
لماذا فعل الوزير الاشتراكي ذلك؟
لماذا عاقب تلميذ المعلم كمال جنبلاط الطلاب وهم غير مسؤولين عن جهل ذويهم وعن جريمة المدارس التي انتموا اليها؟
لماذا لم يقم الوزير منذ بداية العام باغلاق المدارس الوهمية؟
لماذا لم ينشر لائحة بالمدارس غير المرخصة؟
لماذا انتظر حتى موعد الامتحانات؟؟
ما قصة تلك المافيا وهل حقا يتعمد الاهل تسجيل أبنائهم الراسبين في تلك المدارس؟
هناك عدد من المدارس التي لا تملك تراخيصا كانت تحتال على الاهالي بمساعدة كوادر في وزارة التربية.
الوزير يعرف التفاصيل، وكان بامكانه فور استلامه منصبه أن يوجه تحذيراً علنياً للأهالي كي لا يسقطوا ضحية المافيات. لكنه بدلا عن ذلك وجه انذارا للمدارس بصمت، وابلغهم أنه لن يمنح طلابهم فرصة المشاركة في امتحانات رسمية.
ذلك كله امر قانوني وممتاز لو استكمل الوزير اجراءاته.
لو اعلن الوزير عن اسماء تلك المدارس وأنها ليست مستوفية لشروط الترخيص لنقل الاهل ابنائهم منها ولأنقذوهم من عملية نصب.
واذا كان هناك أهالي يسجلون ابناءهم في مدارس تقبل الراسبين في صف اعلى، فالاحرى بالوزارة أن تغلق تلك المدارس لا أن تعاقب قاصرين هم الطلاب. وان وجب العقاب فليعاقب ذوي الطلاب لأنهم يتحملون المسؤولية.
لم يفعل الوزير ما يجب فعله، وانتظر المدارس ، التي صدف أن اغلبها في الضاحية وبعلبك، حتى تقدمت بطلبات الترشيح فرفضها قبل يوم من الامتحانات مثيرا زوبعة لها جانب طائفي لأن ١٤٠٠ من أصل ١٧٠٠ طالب هم من الشيعة.
كما في كل عام كانت مافيا داخل الوزارة تتعاون مع المدارس وتقدم للوزير طلب استثناء لانقاذ الطلاب.
الوزير قانونا موقفه صحيح بالمبدأ، لكنه شبيه بمن يوقف مجرما عن ارتكاب جريمته اليوم ويسجن الضحية. ثم يطلق المجرم ليختار ضحاياه للعام المقبل.
ضرب الوزير ضربته اَملا بل عارفا انها ستتسبب بالقاء اللوم على حزب الله وعلى أمل.
منتظرا اتصالا من الحاج وفيق صفا (المكلف مع الحاج حسين الخليل بملف العلاقة مع جنبلاط) و جهز الوزير مخرجا هو ضم الطلاب الى المقبولين لكن في الدورة الثانية.
ماذا يريد الوزير؟
بل ماذا يريد وليد جنبلاط.
يريدون من حزب الله اعادة العلاقات معهم الى عهدها السابق قبل اعلان جنبلاط انتمائه الى محور صفقة القرن.
حزب الله الذي تعامل مع وليد جنبلاط منذ أيار ٢٠٠٨ بدلال مبالغ به، حرصا على المصلحة الوطنية.
وتبجيلا لمحبي بيك المختارة، وبحبة مسك وبنكهة عطر من السيد نصرالله شخصيا تجاه تلك العلاقة المشوبة بمحبة “مقاوم” لطائفة الدروز المقاومة الذين يرى أغلبهم (٦٠ الى ٦٥ %) أن جنبلاط زعيمهم.
السيد يحبهم كونهم شركاء اسقاط اتفاق ١٧ ايار، وشركاء في طرد الأطلسي من بيروت. وكانت من اولى المعارك الكبرى التي شاركت المقاومة في خوضها هي معركة فتح طريق الكرامة بين الجبل والضاحية.
لكن ذلك الحرص على وليد جنبلاط وتكريمه والوقوف على خاطره، لم يقابل سوى بالتماشي مع نصائح بعض الجهات العربية والدولية التي فهم البيك جنبلاط منها أن نهاية ايران وحزب الله حانت وعقابهم قريب. وأن عليه أن يقفز من مركب الهدنة والمسايرة. وأن عليه الالتحاق بفريق “صفقة القرن” في لبنان، الذي يعد “ربع السبهان” من أشد المتماثلين معه.
خالف الوزير والنائب السابق وليد جنبلاط توقعات حزب الله وأعلن في لحظة حرجة “أخلاقيا” أن مزارع شبعا ليست لبنانية.
أمر بدى لأبو تيمور في حينه كافيا لارضاء بولتون وبن سلمان. وفي السياق يمكن لحزب الله أن يتحمله.
لكن الحزب اعتبر الأمر أكبر من كل الهفوات السابقة التي خرق بها النائب السابق التفاهمات المعقودة معه والتي أحترمها الحزب بدقة شديدة. لا بل أن المقاومة ظلمت نفسها وأنصارها حين تسببت عن مسايرة لجنبلاط في منع أحد حلفائها من الحلول مكان مروان حمادة في مجلس النواب.
بضع مئات من الاصوات فقط نجى بها حمادة من هزيمة تاريخية.
ما علاقة كل ذلك بالطلاب؟؟
يعتبر وليد جنبلاط أن احراج حزب الله أمام المئات من العائلات الشيعية من البقاعيين والجنوبيين ستدفعه للاتصال به او بأكرم شهيب. وشهيب نيابة عن جنبلاط بعث برسائل صريحة للحزب “أن تعالوا نناقش السياسات الكبرى بيننا وقصة الطلاب محلولة”
يريد البيك ان يشتغل حزب الله مسهلا لمشاكله مع العهد وفاتحا لطرق في وجهه سواء كانت اقتصادية محليا أم سياسية.
ربما اتصل الحزب عبر التعبئة التربوية لكن الكلام السياسي لم ولن يحصل بهذا الأسلوب.
حزب الله الأقل براغماتية من الايرانيين لن يرضخ لابتزاز الجنبلاطيين في حين أن أميركا بعظمتها لم يرضخ لها.
لن يرضخ حزب الله لابتزاز وزير جعل من الطلاب وسيلة تخاطب ، ،وهم ضحايا أهاليهم والمدارس التي يملكها نصابين.
من حق الوزير أن يكون انسانا اولا، فهو أب، وجد وله ابناء وأحفاد. وكونه انسان كان عليه تحييد القاصرين عن السياسة ولو طلب منه “بيكه” ذلك.
باب حزب الله لا يفتحه تعذيب ١٧٠٠ طالب نفسيا.
ذاك الباب يفتحه وقف تنسيق الحزب التقدمي الاشتراكي مع جماعات لحدية ينظمها خليجيون لخدمة اسرائيل في لبنان لمواكبة صفقة القرن.
يُفتح باب حزب الله حين ينأى جنبلاط بنفسه عن الساعين لتفجير استقرار لبنان عبر الضغوط وعبر وابتزاز سعد الحريري لينقلب على التسوية.
أبواب وأحضان حزب الله يفتحها وقوف وليد كمال جنبلاط مع فلسطين لا مع من يبيعونها من أجل رضى الاسرائيلي فقط.
وأما الطلاب…
فحسنا فعل معالي الوزير الذي قرر أنه سيمنحهم دورتين لا دورة ثانية.
والسلام