تضاربت الروايات حول حادثة قبرشمون، التي حصلت بين عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي، واخرين من الحزب الديموقراطي اللبناني، كانوا برفقة الوزير صالح الغريب، وسقط منهم شهيدان هما رامي سلمان وسامر ابو فراج، اضافة الى 4 جرحى بعضهم في حالة حرجة، مما وتر الوضع الامني، بقطع طرقات، واحتقان في النفوس، على خلفية كلام لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، قاله في الكحالة والذي اعتبره الحزب الاشتراكي «نبشاً للقبور، واستعادة مشاهد مأسوية من زمن الحرب، طوتها مصالحة الجبل، ولم تمحوها ذاكرة باسيل، وفق ما يقول مصدر اشتراكي، حيث كانت ردة فعل المحازبين والانصار الاعتراض على ما قاله باسيل، واعتبر استفزازيا، فكان التجمع في قبرشمون، لاجباره على الغاء زيارته الى كفرمتى، للقاء شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز ناصر الدين الغريب، الذي سمي في خلده قبل اكثر من عشر سنوات، وقد نجح المعترضون في ارجاء باسيل للزيارة.
فالحادث امني، لكن بعده سياسي، اذ يظهر فيه، الصراع على النفوذ في الجبل، والتوازن فيه، كما اعلن رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب تيمور جنبلاط، الوارث للزعامة الجنبلاطية، التي يخشى والده وليد جنبلاط ان يتسلمها وهي ضعيفة ومحاصرة، ومحاولة تحجيمها لصالح الزعامة الارسلانية التي تراجع حضورها مع بداية الحرب الاهلية اللبنانية، وموت الامير مجيد ارسلان، وعدم وجود وريث في الثمانينات، بعد ابعاد فيصل ارسلان، الذي كان حليفا لرئىس «القوات اللبنانية» بشير الجميل يومها الى ان عاد النائب طلال ارسلان من الخارج، في مطلع التسعينات من القرن الماضي، ليقود من خلده، الزعامة الارسلانية خصوصا «واليزبكية» عموما ولقي دعما في بعض الاحيان من الزعيم الجنبلاطي.
فالصراع على من يملك القرار في الجبل، هو الذي اجج الخلافات فيه حيث يعتبر باسيل، ان المسيحيين استعادوا قرارهم بعودتهم السياسية والادارية، واصبح لهم ممثليهم، بعد ان كانت مقاعدهم تحجز لصالح جنبلاط، وفق مصادر قيادية في «التيار الوطني الحر» التي تضع توتر جنبلاط في هذا الاطار، بالرغم من مد اليد له للتعاون، وكاد ان يقوم تحالف انتخابي معه في الدورة الاخيرة، ولم يحصل ذلك بسبب الخلاف على توزيع المقاعد، اذ طالب «التيار الحر» بثلاثة مقاعد نيابية، في حين اصرّ جنبلاط على مقعدين، حصلت عليهما «القوات اللبنانية» فذهب «التيار الحر» الى التحالف مع ارسلان والحزب السوري القومي الاجتماعي، وهذا امر طبيعي، فاعتبر رئىس الاشتراكي، ان هذا التحالف هو لمحاصرة المختارة واستهدافها، في وقت تحالف هو مع «القوات» و«تيار المستقبل».
فالمشكلة مع جنبلاط هي استعادة المسيحيين لحقوقهم، تقول المصادر، اذ هو اعترض على تبديل قائد سرية بيت الدين في قوى الامن الداخلي، وكان هو يسميه او له رأي فيه كالعقيد حنا اللحام، بالعقيد جوزف عيد الذي نعته بـ«السخيف والتافه»، تقول المصادر، التي تشير الى ان المطلوب هو شراكة فعلية في الجبل، وقد حصل انفتاح على المختارة التي زارها العماد ميشال عون لتمتين العلاقة مع جنبلاط، وتعزيز المصالحة في الجبل، وان لقاءات دائمة تجمعه بوزير شؤون المهجرين غسان عطاالله، فلماذا هذا الاستنفار السياسي والامني على كلام لباسيل في الكحالة، ولم يتطلعوا الى ما قاله في صوفر، وحول العيش المشترك والوحدة في الجبل.
فلم تكن هناك اجواء سلبية، او تشنجات، او خلافات، تستدعي ما حصل في قبرشمون، تقول مصادر «التيار الحر» التي ترى بان السبب هو ان جنبلاط يشعر، بأنه لم يعد الوحيد في الجبل او صاحب الكلمة فيه، حتى انه حصل خلاف بينه وبين «تيار المستقبل»، حول اقليم الخروب، الذي يقول جنبلاط، بان ثمة محاولة لاخراجه منه من قبل «تيار المستقبل»، فهل للوزير باسيل علاقة بذلك.
اما الحزب الاشتراكي، فانه يرى ان الدخول الى الجبل له بوابته، وهي المختارة التي امنت المصالحة في الجبل، وقبل ان تحصل مع البطريرك صفير في 2001، بل بدأها وليد جنبلاط، في 1987 وفي اثناء الحرب، فلا يمكن ان يهزها خطاب انفعالي، واستعادة تاريخ قال عنه رئىس الحزب، انه اسود، تقول مصادر الاشتراكي، التي تشير الى القداس الذي حضره جنبلاط في دير القمر تحت عنوان «غفران وتوبة» ودعت اليه وزارة المهجرين، ووافق على اعتبار كل الذين سقطوا في الجبل شهداء، بمن فيهم من قتلوا بعدا غتيال والده كمال جنبلاط، فكيف يستمر باسيل في خطابه الفوقي، وباللغة التي تؤكد على التعالي والانتصار وان المسيحيين عادوا او يعودون الى الجبل بسبب تياره السياسي، دون النظر الى ما فعله جنبلاط في هذا الاطار، وحمايته للمسيحيين، اثر اغتيال الشهيد كمال جنبلاط.
فما حصل في قبر شمون يرده الاشتراكي، الى سوء التصرف عند باسيل والى خطابه الاستفزازي والغرائزي، اضافة الى انه يسعى الى اختراق الساحة الدرزية، عبر احياء الصراع وتعزيز الانقسام فيها وهو ما يثير قلق جنبلاط، تقول المصادر التي تؤكد انه لا ينفع باسيل وغيره، هذا الاسلوب مع جنبلاط الذي ما زال الرقم الصعب في المعادلة اللبنانية.
وفي الوقت الذي يعتبر الحزب الديموقراطي اللبناني، بان ما حصل في قبرشمون هو سابقة خطيرة، فان مصادره تنظر الى الاجتماع الذي جمع رئيسه ارسلان والوزير الغريب، مع رئيس الجمهورية، بالايجابي لان الوقت الذي استغرقه الاجتماع لاكثر من ساعتين، يدل على اهتمام الرئيس عون بما حصل واصراره على رفض ان لا تمر الحادثة دون اجراءات قانونية وقضائية، اذ وضع ارسلان الملف الكامل بالاسماء والمعطيات بعهدة رئيس الجمهورية، والتمني عليه ان تحال الحادثة الى المجلس العدلي، لانها هددت السلم الاهلي، وهي اعتداء على امن الدولة، ومحاولة اغتيال وزير، ومنع وزراء ومواطنين من التنقل بين البلدات والقرى، كما ان الفاعلين معلومون بالاسماء والصور، وان قيام الجيش والاجهزة الامنية بملاحقة المشاركين في حادثة قبرشمون، تعتبر خطوة ايجابية، لتقوم الدولة باجهزتها الامنية والقضائية بواجباتها، انما يخشى تهريب المشتركين الفعليين بجريمة قتل الرفيقين سلمان وابو فراج تقول المصادر، التي لا تقارب هروب امين السوقي بها، لانه ليس متورطا بحادثة الشويفات.
فحادثة قبرشمون، تأتي في سياق احداث بدأت منذ اكثر من عام في الجبل، وكانت طلائعها ما جرى في الشويفات، والسبب يعود الى الخطاب السياسي غير المسؤول من بعض المراجع السياسية والحزبية، اضافة الى لعبة الاحجام في داخل التركيبة اللبنانية، التي لا تنتج في ظل نظامها الطائفي، الا كانتونات هي اشبه «بفدرالية طوائف» تستنسخ «فدرالية بالامن»، ومناطق محصورة لزعامات طائفية وسياسية، تؤكد على هشاشة الدولة الواحدة التي تسقط هيبتها كل يوم.
كمال ذبيان