خضر عواركة 2019.07.08
في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وصل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى السعودية، في زيارة هي الثانية له إليها خلال أسبوع واحد، التقى ولي العهد محمد بن سلمان، في ظل تصعيد كلامي من المملكة ضد نفوذ إيران في لبنان وضد حزب الله في سلسلة تغريدات وتصاريح غير مألوفة شكلا ومضمونا، أطلقها رجل الاستخبارات السعودية السابق في بيروت “ثامر السبهان”، الذي كان ” بن سلمان” قد عينه قبل ذلك بوقت قصير “وزيراً لشؤون الخليج”. لكن ظهر أن مهمته تتمثل بتأمين ما يلزم لاشعال حرب أهلية في لبنان.
وبعد يوم واحد، أي في الرابع من ذلك الشهر، أعلن الحريري استقالته من رئاسة الحكومة، وذلك في خطاب متلفز من العاصمة الرياض بثته وسائل إعلام سعودية، وبرر ذلك بخشيته من تعرضه للاغتيال.
انطلقت بالتزامن عملية تشكيل جيش “سبهاني ” في لبنان كان يفترض أن يضم بديلا سياسيا عن الحريري هو شقيقه الأكبر بهاء الدين. على أن يعاونه قادة ممن خانوا الحريري سعد وبايعوا السبهان قيل نقلا عن سعد الحريري لاحقاً” أن على رأسهم يقف زعيم القوات سمير جعجع، وشذاذ أفاق الشوارع الطرابلسية بزعامة “أشرف ريفي” واخرين بينهم اعلاميون لهم باع في العمل الأمني والمخابراتي”.
لم يكن ذاك الانقلاب سلميا بل كان بداية لحرب أهلية الهدف منها تحويل لبنان الى ساحة يغرق فيها حزب الله وحلفائه بدلا عن استقرار داخلي يمكن الحزب ” من التفرغ لعمليات خارجية ضد النفوذ الداعشي في العراق وسورية” في حين أن ضرب داعش لا يخدم أهداف السعودية وكذا لا يخدمها استقرار لبنان.
لكن حسابات محمد بن سلمان في حينه لم تتطابق مع مصلحة الأميركيين وتحديداً تلك الجهات المؤسساتية الراسخة في النظام الاميركي التي تعتبر زعيم تيار المستقبل “سعد الحريري” من خاصاتها.
وقد كلف الأميركيون الرئيس الفرنسي لتولي مهمة انقاذ “الرئيس سعد الحريري” من بين أنياب “بن سلمان”. وهو ما حصل في الثامن عشر من نوفمبر ٢٠١٧ حيث اطلق “بن سلمان” سراح رئيس الوزراء اللبناني، وفي الوقت عينه وضع الأميركيون حداً لنشاط السبهان التخريبي في بيروت فنام مشروعه ولم ينتهي وبقيت أدواته في وضعية الـ” الترقب”.
هل ستعيد سخونة المواجهة بين واشنطن وطهران الى الحياة مشروع السبهان في لبنان؟
هذا ما يمكن فهمه من شجاعة وليد جنبلاط المستجدة ومن صلف ووقاحة موظفين سابقين لدى سعد الحريري اصبحوا أبواقا سبهانية تلقي الدروس على رئيس الحكومة، وهذا ما يمكن استنتاجه من تكثيف “وزير سابق للفتنة” في طرابلس لتصريحاته التحريضية. كما أنه من الملفت ذاك الحماس القتالي دفاعا عن السعودية وسياساتها من طرف صهاينة لبنانيين.
اذا كان وليد جنبلاط من السائرين في مشروع السبهان فهل الهدف جبران باسيل؟
“السبهانيون” لديهم مشروع واضح يتماشى والحركة السعودية – الاسرائيلية في الاقليم، و حركتهم الهادفة لخلق ” تفاعلات” لمواجهات محلية تشغل المقاومة سوف تتصاعد درجة تلو أخرى لتصل الى مرحلة التخريب السياسي والأمني الموضعي الذي يؤدي الى ولادة “مربعات” أمنية سبهانية مقفلة. فيصبح لحزب الله أنداد مسلحون. وحركتهم السياسية والأمنية ضد الوزير باسيل هي عملية استدراج لجمهورهم كيّ يحشدوه خلف الحراك الامني والعسكري المطلوب منهم
نموذج ردود الفعل على زيارة الوزير باسيل للجبل تعطي صورة واضحة عما نتحدث عنه.
الوزير جبران باسيل ليس قديساً و يمكنك ان تكرهه بقدر ما تشاء لأسبابك الخاصة، ولكنه يمثل حالة سياسية وحركة حزبية عونية مصلحتها الوجودية تتمثل في رفض التوطين. وواحدة من أهداف الحركة السبهانية في لبنان هو التوطين كون السبهان وسيده بن سلمان يؤمنون بقدرة اسرائيل على صنع العجائب لهم في واشنطن ان سلفوها فتنة يمولونها في لبنان.
وسواء تم التوطين تحت عنوان انساني او تحت خيمة ما يسمى “صفقة قرن” فجبران باسيل وتياره شئنا أم أبينا رأس حربة في مواجهة السبهانيين.
أكاد أجزم أنه ليس هناك من صفقة ستعرض على الفلسطينيين سوى التهجير والتوطين، والصفقة هي عنوات يحتاج لقنابل دخانية ومعارك وفتن لتمريرها، وهي لا تعدو كونها مشروع تحويل العلاقة التاريخية التكاملية القائمة بين معظم الانظمة العربية ونظام الفصل العنصري الاسرائيلي الى حالة اندماج علني.
فمنذ وجد المشروع الصهيوني ومنذ وجدت العوائل والجهات التي تحكم تلك الانظمة العربية العميلة للغربيين و كلاهما يتكامل مع الاخر.
الفتنة المحدودة في لبنان قد تكون طريقا للتوطين وقنبلة دخانية لأشغال الرافضين.
ما يحصل أكبر من صفقة وفي هكذا أوضاع يمكن توقع اشتعال حروب صغيرة أو كبيرة.
فلتحقيق تطبيع تتحول فيه حكومة نظام الفصل العنصري الاسرائيلي الى “زعيمة العالم العربي” ووريثة لدولة الخلافة عند المسلمين يجب أنهاء أي ذكر لفلسطين . و لتحقيق ذاك الاندماج “الصهيوني-العربي” يحتاج المخططون الى حروب تجبر الرافضين على الاهتمام بأمور أخرى غير التصدي لتلك المؤامرة.
المشروع السبهاني الذي كانت ذروته اعتقال رئيس الوزراء ربما قد عاد الان لأسباب تتعلق بالصراع بين السلطة الاميركية و ايران.
فكما هناك في واشنطن من يرى ان المفاوضات مع طهران ومحورها ضرورية، كذلك هناك فريق أميركي يعتبر ان وجود قوى فاعلة أمنيا تواجه حزب الله هو مصلحة اسرائيلية لا يجب التغاضي عنها.
لهذا سنرى الكثير من التصعيد في المواقف السياسية، وأخشى للأسف أننا سنكون أمام الكثير من الأحداث الامنية. والشجاعة التي صنعت في واشنطن وتل أبيب والتي تمولها أموال خليجية وتشجعها وتنسق بينها وتوجهها أجهزة استخبارات غربية-خليجية-عربية ستتطور وستصبح سمة عامة لجماعات يتكل المشروع السبهاني عليها.
ما الذي قد يريده السبهانيون؟؟
يتوقع المرء الأسوأ دوماً من دولة مثل السعودية نذرت نفسها وجهدها ومالها لخدمة اسرائيل وقد تسعى الى:
– ابتزاز الرئيس “سعد الحريري” وتهديد زعامته السنية لوضعه أمام خيارين، إما خسارة موقعه كزعيم للسنة أو السير في ركاب المشروع السبهاني ولو كان على حساب مصالحه الشخصية المرتبطة بالتسوية السياسية مع حزب الله ومع الوزير باسيل.
– ابتزاز التيار الوطني الحر و الوزير باسيل، ورئيس الجمهورية عبر التهديدات الامنية المتنقلة وعبر هز الاستقرار المالي والاقتصادي.
– دعم زعامات محلية لاطلاق ميليشيات مسلحة ستظهر في أكثر من منطقة حساسة.
– اللعب في الاستقرار الامني دون اخراج الجيش والاجهزة من المعادلة، و بشكل لا يعطي حزب الله فرصة القيام بعملية وقائية خاطفة شبيهة بعملية السابع من أيار ٢٠٠٨.
قد يعملون تماما بنفس الطريقة التي حصلت مع باسيل في الشوف وعاليه، حيث حول النائب السابق ” وليد جنبلاط” الجبل الى منطقة مقفلة أمنيا الا على من يأذن هو لهم بالتحرك فيها.
ومما قد يفعله السبهانيون أيضا:
– توسيع نشاط التيار الشيرازي في ساحة حزب الله. ودعمه مالياً وأمنياً لتوسيع نفوذه، وتثبيت اختراقاته للاحزاب والحركات الشيعية بغية توريثه على المدى الطويل بيئة المقاومة وشعبيتها ولو جزئيا.
التيار الشيرازي هم فئة متخصصة بنشر الخرافات الغرائزية ويمارسون الترويج بحرفية عالية تنم عن تمتعهم بدراية جيدة بأساليب التلاعب بالجماهير عاطفيا من خلال استغلال الدعاية الدينية وخاصة المنابر الحسينية.
وتؤكد الوقائع قبل المعلومات أن الشيرازيين يقودهم أشخاص وصوليون أبرز من فيهم هو الحليف للصهاينة ضد المقاومة، وتيارهم هو صاحب الوسائل الأمنية والمخابراتية الأكثر فعالية لضرب وجود المقاومة من داخل بيئتها.