يوسف دياب – الشرق الأوسط
24 تموز 2019
تنتظر الحكومة تحريرها من قيود التعطيل، لاستئناف جلساتها وتسيير عجلة الدولة، وحلّ قضايا الناس العالقة منذ أسابيع على حبل الخلافات السياسية، ومن بين هذه القضايا التعيينات الإدارية والقضائية، رغم التوقعات بأن تكون محور صراع على الحصص بين مكونات الحكومة.
وستشكّل التعيينات القضائية الاختبار الأهم لنجاح الحكومة في تخطّي الخلافات، أو بقاء الانقسام الحاد على توزيع المناصب، وبدل أن تكون التعيينات القضائية مدخلاً لسدّ النقص في المواقع القضائية الحساسة، ومعالجة الخلل ومحاربة الفساد، تأتي المحاصصة لتحمي الفساد المتحكم بالمؤسسات.
ورجّحت مصادر معنية بهذا الملف أن «تدرج الحكومة بند التعيينات في أقرب جلسة لمجلس الوزراء من أجل انتظام العمل في المؤسسات والإدارات، خصوصاً في القضاء». وشددت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أهمية «ملء الشغور القائم منذ أشهر في عدد من المناصب الحساسة، لا سيما مراكز النائب العام التمييزي، ورئيس مجلس شورى الدولة، ورئيس هيئة التشريع والاستشارات، والمدير العام لوزارة العدل»، متوقعة «عبورها بمخاضٍ عسير، وتؤسس لمعركة داخل مجلس الوزراء، خصوصاً على المواقع المسيحية، بين (التيار الوطني الحرّ) الذي يتهمه خصومه بأنه عازم على أن تكون المواقع المسيحية من حصّته وحده، وبين (القوات اللبنانية) التي تسعى لنيل حصتها»، مشيرة إلى أن «المراكز السنيّة الشاغرة شبه محسومة، وهي ستكون من حصّة رئيس الحكومة سعد الحريري وتيار (المستقبل) دون منازع».
وتسعى المرجعيات السياسية والأحزاب الكبرى إلى الإمساك بالمراكز القضائية البارزة، باعتبارها جزءاً من أدوات الحكم، تماماً كما هي حال المراكز الأمنية، سواء على مستوى رؤساء الأجهزة أو الوحدات أو الأقسام والمفارز في بيروت وكل المحافظات، وتتجه الأنظار لمعرفة من سيشغل منصب النائب العام التمييزي، وهو الأهم بين كل هذه المراكز، لكون النيابات العامة كافة والضابطة العدلية تخضع لسلطته المباشرة، عدا عن كونه عضواً دائماً في مجلس القضاء الأعلى، ونائباً لرئيس مجلس القضاء، وبحكم تواصله الدائم مع السلطة السياسية ولقاءاته الدورية مع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء، ويعود هذا المنصب للطائفة السنيّة، وللحريري وتياره السياسي.
وثمة أسماء عدّة مرشحة لتولي منصب النائب العام التمييزي، أبرزها قاضي التحقيق الأول في بيروت غسان عويدات، والنائب العام الاستئنافي في شمال لبنان نبيل وهبة، ورئيس محكمة جنايات بيروت سامي صدقي، وتوكد مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط»، أن «عويدات هو الأوفر حظاً ليشغل هذا المنصب»، مشيرة إلى أن مركز مدير عام وزارة العدل هو من حصّة الطائفة السنيّة، وسيكون من حصّة تيار «المستقبل» أيضاً، وقد يسند إلى القاضية نجاح عيتاني، التي تتميّز بشخصية قوية، وعلاقات جيدة مع زملائها القضاة.
لكنّ التسليم بهوية وانتماء من سيشغل المراكز السنيّة يقابله تشدد في اختيار القضاة المرشحين للمراكز المسيحية، إذ توقعت المصادر القضائية «توافقاً مسيحياً على اسم القاضية كارمن بدوي لتعيينها رئيسة لمجلس شورى الدولة، ومن حصّة (التيار الوطني الحرّ)، فيما يخوض الأخير معركة الاستئثار بمنصب رئيس هيئة التشريع والاستشارات، مقابل ممانعة شديدة من قبل (القوات)، وهو ما ينذر بتفجّر خلاف داخل مجلس الوزراء، قد يهدد سلّة التعيينات برمتها».
ولا يبدو أن التعيينات القضائية، كما الأمنية والإدارية، ستخضع لمعايير الكفاءة والنزاهة والخبرة، حيث إن القيادات السياسية أرست معايير جديدة قاعدتها إنجاز اتفاقاتها خارج الحكومة، ثم التصديق عليها في مجلس الوزراء، وأشار مرجع قانوني إلى أن «الاستمرار في هذا النهج يضرب أسس العدالة وتكافؤ الفرص واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التدخل السياسي في عمل القضاء، واختيار الأتباع لتعيينهم في المراكز القضائية الحساسة يضرب استقلالية القضاء، ويبقي السلطة الثالثة تحت هيمنة الطبقة السياسية». وقال: «عندما تعيّن المرجعية السياسية قاضياً في موقع حساس، فإنها ستجيّر هذا المركز لخدمتها، ويصبح القاضي موظفاً عند المرجعية التي عينته، بدل أن يكون قاضياً مستقلاً يحكم بقوّة القانون وباسم الشعب اللبناني».
وبعيداً عن الاعتبارات السياسية، باتت التعيينات القضائية ضرورية، بسبب التعثّر في بت قضايا الناس، نتيجة شغور المراكز المشار إليها، والصعوبة التي يواجهها القضاة المنتدبون بسبب توليهم أكثر من مركز في وقت واحد، فيما تبدو طوائف أخرى خارج حلبة صراع التعيينات، لعدم وجود مراكز شاغرة يشغلها قضاة من الطائفتين الشيعية والدرزية، ويتوقّع أن تشهد التشكيلات القضائية المرتقبة أواخر الصيف الحالي، تغييراً كبيراً سيطال قضاة لم يكن أداؤهم في السنوات الأخيرة على مستوى طموح من عينهم في هذه المراكز