أدخلت المادة 80 من الموازنة العامة البلاد مرّة جديدة في حال من الجدل السياسي، في الوقت الذي يحتاج إليه أكثر من أي وقت مضى إلى الحدّ الأدنى من التفاهمات، أقله في ما يخصّ عودة الحكومة إلى الإنعقاد بعد “أزمة حادثة قبرشمون”، وإصرار البعض على تحويلها على المجلس العدلي من خلال التصويت داخل مجلس الوزراء، وهذا ما طالب به الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في كلمته أمس.
ومما زاد من حال التأزم دخول الوزير جبران باسيل على خط المادة 80، الذي أعتبر أن “ليس بسيطا ابدا لناحية الاخلال بالتوازنات والتفاهمات والاتفاقيات. ولا يجب ان نضرب هذه الامور الثلاثة من اجل 400 موظف نريد ان نفرضهم على القطاع العام”.
وتساءل: “ما معنى مقتضيات الوفاق الوطني؟ ما معنى الميثاقية؟ ما معنى الشراكة؟ ما هو تفسير المادة 95 من الدستور التي تتكلم عن حصر المناصفة بالفئة الاولى فقط بعد تأليف الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية.
وهذا الأمر دفع بعدد وافر من اللبنانيين الذين لا يزالون يؤمنون بصيغة العيش المشترك إلى رسم أكثر من علامة إستفهام عن عودة طرح الفيدرالية المقنعة، والتي تتخذ من حجة “الدفاع عن حقوق المسيحيين” ذريعة لكي تطفو من جديد على صفح الأزمات السياسية والميثاقية المفتعلة.
باسيل “كسر الجرة”… الموازنة عالقة والمادة 80 تضرب التفاهمات؟
ناجحو “الخدمة المدنية”.. ضحايا “العيش المشترك”!
وبغض النظر عن الأهداف التي يسعى إليها رئيس “التيار الوطني الحر”، من خلال “دغدغة” العصبية المسيحية، وتصوير نفسه المدافع الأول عن حقوق المسيحيين “المهدورة”، فإن الساحة المسيحية شهدت ومنذ مدة طويلة محاولات لتفسير مضمن المادة 95 من الدستور، ومن بينها ما قامت به لجنة المتابعة النيابية المنبثقة من اللقاء الماروني الموسّع في بكركي، إنطلاقًا مما أعتبره البعض خللًا في مبدأ المناصفة الذي فاق كل المعايير المقبولة، ولأن ما تشهده بعض الإدارات العامة من تعاقد لا ينسجم مع مبدأ المناصفة ولا احترام الميثاقية التي قام عليها لبنان.
فقد بادرت هذه اللجنة الى اعداد دراسة قانونية مفصلة عما أعتبر تهميشًا للمسيحيين في مؤسسات الدولة، وعرضت تفصيلاً للمادة 95 من الدستور، “منعاً لاستغلال المرونة التي تتسم بها هذه الفقرة”، وبهدف وضع حد “للتحايل على بعض النصوص القانونية المتعلّقة بالتعيينات بغرض توسيع الاختلال في التوازن الوظيفي على حساب المسيحيين”.
ومن بين الملاحظات التي أوردتها اللجنة في حينه “أن الفقرة ب من المادة 95 من الدستور بعد التعديلات الدستورية التي انبثقت من وثيقة الوفاق الوطني في الطائف وأقرّت بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 1990/9/21 لم تعد توجب صراحة حفظ كوتا لأي طائفة في توظيفات القطاع العام، ما عدا مراعاة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في وظائف الفئة الأولى”. وشرحت أن المعنيين “يعمدون الى تغطية أهدافهم بالتحايل على القانون في عمليات إبعاد المسيحيين عن الإدارة، فيطلبون توظيف العشرات أو مئات الموظفين ويختارون في الوظائف المطلوبة مهمات أو مناطق لا تهمّ المسيحيين عادة”.
لا شك في أن الوزير باسيل قد أطلع على هذه الدراسة، وهو أعتمد وفق أسلوبه الخاص به تصوير البيئة المسيحية هذه المرّة على أنها “الضحية”، من دون أن يأخذ في الإعتبار الأسباب السوسيولوجية والنفسية، التي تجعل من المسيحيين ينكفئون عن الإنخراط الكلي في إدارات الدولة، إذ لا يتقدّم إلى الوظائف العامة سوى أعداد قليلة، فيما الإقبال من جانب المسلمين على هذه الوظائف يفوق اعداد المسيحيين بأشواط، وهذا ما يجعل الفارق في نسبة الناجحين كبيرًا، إذ لا يعقل توظيف من لم ينجح في المباريات التي ينظمها مجلس الخدمة المدنية، حتى ولو كانوا من المسيحيين، فقط للمحافظة على “التوازنات والتفاهمات والإتفاقيات”.
فمبدأ المناصفة لا ينطبق سوى على وظائف الفئة الأولى أو ما يعادلها، وهو مبدأ مكرّس دستوريًا ولا يختلف إثنان على تفسيره. أما إذا كان “المنطق الباسيلي” هو السائد في مثل هذه الحالات، فإنه يُفترض عند ذاك إلغاء نتائح الإمتحانات الرسمية لشهادة البكالوريا، بإعتبار أن معظم الذين أحتلوا المراتب الأولى هم من المسلمين.
اندريه قصاص