في حصيلة أولية للتوازنات القائمة على الساحة المحلية، في ظل الأزمة القائمة بعد حادثة قبرشمون، يبدو أن هناك معركة حقيقيّة انطلقت بوجه العهد، أو بوجه رئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، لا أحد يعرف نتائجها مسبقاً، لكن عنوانها الرئيسي الإنتخابات الرئاسيّة المقبلة في العام 2022.
من حيث المبدأ، يتنوّع خصوم باسيل في هذه المرحلة، لناحية موقعهم، بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، ولناحية المدى الذي قد يذهبون إليه، لكنهم حتى الساعة لا يشكّلون جبهة موحّدة قادرة على خوض المعركة برأس واحد.
في هذا السياق، يبرز كل من رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، اللذان انضمّ إليهما، في الآونة الأخيرة، كل من رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة، حيث لم يعد يتردّد هؤلاء في توجيه السهام ضد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بشكل مباشر، على قاعدة أنه يتحمّل مسؤولية “تصرفات” رئيس “التيار الوطني الحر”.
بالنسبة إلى هؤلاء، لم يعد من الممكن تأجيل فتح المعركة، نظراً إلى أنّهم، لا سيّما جعجع وجنبلاط، يتعرضون لحصار من قبل باسيل، وبالتالي أي تأخير سوف يؤدّي إلى المزيد من الأضرار، بينما بالنسبة إلى رؤساء الحكومات السابقين فإنّ وزير الخارجية والمغتربين يستهدف صلاحيات رئاسة الحكومة، التي نصّ عليها إتّفاق الطائف، ويريد تعديله أو القضاء عليه بالممارسة.
يتمنّى هؤلاء أن تنضمّ إليهم شخصيّات أخرى، خصوصاً رئيس الحكومة سعد الحريري، وهو ما أعلن عنه جعجع صراحة في حديثه التلفزيوني الأخير، لناحية الإستعداد لتشكيل جبهة تضم جنبلاط والحريري إليه، والأمر نفسه ينطبق على رؤساء الحكومات السابقين، الذين يسعون إلى إقناع رئيس الحكومة بأنهم يدافعون عن موقعه، كما يراهنون للحصول على دعم خارجي، خصوصاً من المملكة العربيّة السعوديّة، التي زارها مؤخراً ميقاتي وسلام والسنيورة.
حتى الساعة، عنوان المعركة التي يخوضها هؤلاء الدفاع عن الطائف والنفوذ، لكن بالتزامن هناك مؤشر على أنهم لا يمانعون وضع أنفسهم في موقع المواجهة مع “حزب الله”، خصوصاً أنّ رئيس “الإشتراكي” سعى طوال الفترة السابقة إلى وضع مشكلته مع الحزب لا مع أيّ جهة أخرى، وطلب الحوار معه مباشرة وأخذ الضمانات من أمينه العام السيد حسن نصرالله.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول أنّ هذه الجبهة واضحة المعالم، في مقابل شخصيّات قوى أخرى لن تكون حزينة في حال فتح مواجهة مع باسيل، لكنها لا تتّفق مع هذه الجبهة لناحية التموضع السياسي، أبرز أركانها كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس تيار “المردة” النائب السابق سليمان فرنجية، فكل من بري وفرنجية لا يستطيعان أن يتبنّيا أيّ مواجهة مع “حزب الله”.
هذا الواقع، ظهر بشكل جليّ مما سُرّب عن موقف فرنجيّة من مسألة التصويت على إحالة حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي، حيث إختار الموقوف إلى جانب “حزب الله”، في حال خُيّر بين جنبلاط ورئيس “الحزب الديمقراطي” النائب طلال أرسلان، بينما تموضع رئيس المجلس النيابي إلى جانب جنبلاط واضح، إلا أنّه لن يكون في أيّ موقع يكون العنوان فيه مواجهة مع “حزب الله”، ليبقى رهان الجبهة المذكورة في الأعلى على موقف الحريري أولاً وأخيراً، الذي على ما يبدو لم يصل إلى المرحلة التي يقرّر فيها الخروج من التسوية الرئاسيّة، رغم الملاحظات التي لديه.
في المحصّلة، أركان الجبهة المعارضة تتظهر يوماً بعد آخر، والمدى الذي من الممكن أن تصل إليه غير واضح، لكن الأكيد أنها من دون إنضمام الحريري إليها لن تكون قادرة على تحقيق نتائج كبيرة، مع العلم أنها اختارت الدخول إلى الحكومة الحاليّة على أساس المعطيات نفسها، لكن هل يستطيع رئيس الحكومة البقاء على موقفه الحالي؟.
ماهر الخطيب – النشرة