عماد مرمل-الجمهورية.
على الرغم من محاولات تل ابيب التخفيف من وطأة العملية التي نفذها «حزب الله» ضد آلية عسكرية اسرائيلية قرب مستعمرة أفيفيم الواقعة قبالة بلدة مارون الراس، يبقى الأهم بالنسبة الى المقاومة، كما يقول القريبون منها، هو أنها حققت «اصابة» نوعية على المستوى الاستراتيجي، تمثلت في اجبار الاحتلال على العودة الى التقيّد بقواعد الاشتباك، وعدم السماح له بالتفلت من مقتضيات توازن الردع، بعد محاولته فرض أمر واقع جديد من خلال الاعتداء على مقر للحزب في منطقة عقربا السورية.
بعد انتظار بًدا طويلاً وصعباً للاسرائيليين، وجهت المقاومة ضربتها «المدروسة» الى هدف عسكري لقوات لاحتلال، انطلاقاً من الاراضي اللبنانية تحديدا، في تطور نوعي يحمل دلالات عدة، سواء لجهة الجغرافيا المنتقاة او الرسائل المقصودة، على ما يؤكد القريبون من الحزب، بحيث استطاع الرد في رأيهم الجمع بين حدّين: من جهة، تحصين قواعد الاشتباك على قاعدة «اذا قتلم منا في سوريا سنرد عليكم في لبنان»، ومن جهة أخرى، تجنّب التدحرج الى حرب واسعة لا يريدها الحزب وإن كان جاهزاً لها.
وهجوم المقاومة قرب مستعمرة أفيفيم ردا على الاعتداء الذي استهدف احد مراكزها في سوريا ليس نهاية المطاف او صافرة النهاية في هذه الجولة من «نزاع المعادلات»، ذلك انّ هناك حسابا آخر ومنفصلاً لا يزال مفتوحاً، ويتعلق بالرد على الخرق الاسرائيلي الذي استهدف عمق الضاحية الجنوبية عبر اعتداء الطائرتين المسيرتين، كما اوضح الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
ويؤكد العارفون بحسابات المقاومة انه ليس واردا لديها ان تتساهل مع هذا الخرق الفائق الخطورة او ان تتغاضى عنه، «كونه يشكل تجاوزاً للخط الأحمر المرسوم من قبلها، وبالتالي فهي مصممة على إعادة ترميم هذا الشق من توازن الردع، مهما كلف الامر.» امّا الرد، فسيكون، وفق هؤلاء، من نوع الخرق وطينته، «ما يعني انّ المقاومة ستختار التوقيت المناسب لإسقاط احدى الطائرات الاسرائيلية المسيّرة او ربما أكثر، بغية إفهام كيان الاحتلال بانه لم يعد بإمكان «اصابعه» التغلغل في الداخل اللبناني، من دون ان تواجه في اي لحظة خطر البتر.»
وحتى ذلك الحين، يعتبر «حزب الله» انّ «عملية أفيفيم» كانت ناجحة بالكامل، وحققت المراد منها، استنادا الى مجموعة معايير يرتكز عليها. من الناحية الميدانية، ترى الاوساط القريبة من الحزب انه «ليس أمراً بسيطاً ان يتمكن من ضرب آلية اسرائيلية قرب احدى المستوطنات بصاروخي كورنيت، في وضح النهار ومن منطقة محاذية للحدود، على الرغم من المسح المستمر والمكثّف لطائرات الاستطلاع، والتدابير الاحترازية التي اتخذها جيش الاحتلال منذ اعلان الحزب عن نيته الرد.»
وبهذا المعنى، تلفت الاوساط نفسها الى انّ الكمين كان «علنيا» ومنتظراً، وحدوده الجغرافية محددة مسبقاً وهامشه الزمني متوقع، «ومع ذلك نجحت المقاومة في مباغتة القوة المستهدفة، من غير ان تتعرض القوة المهاجمة لأي «خدش»، ما ينطوي على فشل استخباراتي فاقع للجانب الاسرائيلي».
وما تتوقف عنده ايضاً تلك الاوساط، في اطار الاستنتاجات «العملانية»، هو انّ الجيش الاسرائيلي المعروف بطابعه الهجومي والتوسعي تحول على امتداد اسبوع كامل الى جيش دفاعي ومنكفئ، بعدما غابت تحركاته عن طول الحدود مع لبنان خشية من الهجوم المنتظر، «بحيث انّ المقاومة احتاجت الى وقت للعثورعلى هدف ملائم، الامر الذي تسبّب في تأخير الرد حتى يوم امس الاول».
اما بالنسبة الى الحصيلة الاستراتيجية لـ«هجوم افيفيم»، فإنّ الاوساط المحيطة بـ»حزب الله» تؤكد انّ الاصابة الأكثر إيلاماً التي حققها في الجسم الاسرائيلي تكمن في انه استطاع فرض معادلة «مطوّرة جينياً» على العدو، لا يفضي مفعولها الى تثبيت قواعد الاشتباك فقط بل الى تحسين شروطها الردعية كذلك، إذ انه للمرة الاولى منذ حرب تموز 2006 بل منذ التحرير عام 2000، على ما تلفت الاوساط نفسها، «تنفّذ المقاومة عملية عسكرية ضد هدف اسرائيلي، من داخل الاراضي اللبنانية، بعدما كانت ردودها في السابق تتركز ضمن مزارع شبعا المحتلة، كما حصل على سبيل المثال عقب اغتيال سمير القنطار وجهاد مغنية في سوريا».
وتشير الاوساط الى انه لطالما شكّلت الصواريخ المنطلقة من لبنان «عقدة» لاسرائيل التي شَنّت اجتياحَي 1978 و1982 للتخلص من هذا الخطر وضمان سلامة حدودها الشمالية، «وهي افترضت انها استطاعت بموجب مفاعيل حرب 2006 تحصين قدراتها الردعية وتثبيت الامن في مناطقها الشمالية بالترافق مع استمرار خروقاتها الجوية والبرية والبحرية، فإذا بصاروخي الكورنيت اللذين اطلقهما «حزب الله» من داخل الاراضي اللبنانية «ينسف» هذه النظرية الاسرائيلية ويكسر معادلة تل ابيب الشهيرة، وقوامها انه يحق لها ما يُحرّم على الآخرين»، تبعاً لمقاربة الاوساط عينها.
وما زاد من وهج إنجاز المقاومة، تبعاً للاوساط القريبة من الحزب، هو انّ «العدو الاسرائيلي لم يملك جرأة تنفيذ رد واسع على الهجوم العابر للحدود، بل اكتفى باطلاق قنابل حارقة في اتجاه محيط بلدة مارون الراس، سعياً الى التغطية الدخانية على حقيقة ما يجري في مستوطنة افيفيم وجوارها، تبعاً للمعلومات المتوافرة».
وتستنتج الاوساط إيّاها انّ بنيامين نتنياهو تراجَع عملياً عن تهديداته السابقة بأنه سيلجا الى الرد القاسي على لبنان اذا انطلق منه اي هجوم ضد اسرائيل، «علماً انّ هذه التهديدات التي نُقلت عبر اليونيفيل وأقنية دولية كانت مرتبطة بمبدأ حصول عمل عسكري، سواء نتجت عنه اصابات ام لا». وعليه، فإنّ الاوساط نفسها تعتبر ان «سلوك نتنياهو الذي اضطر الى ابتلاع ضربة المقاومة وضبط النفس حيالها، إنما يشكل خسارة له مهما حاول تجميلها»، ملاحظة انّ الهاجس الوحيد لرئيس الوزراء الاسرائيلي في هذه المرحلة هو الفوز في الانتخابات المقبلة.
ولئن كان نتنياهو قد أوحى بأنّ تخفيض سقف الرد يعود الى كون هجوم «حزب الله» لم يوقع اصابات في صفوف جيشه، إلّا انّ الحزب متأكد في المقابل من ان خسائر سُجلت في داخل الآلية المعادية، وان الايام ستثبت ذلك، لاسيما انّ السلاح المستخدم في العملية معروف بدقته.
وتعليقاً على ما سرّبته بعض المصادر الاسرائيلية من أن تل ابيب تعمدت تضليل «حزب الله» وإيهامه لبعض الوقت بأنّ جنوداً اسرائيليين أصيبوا بالهجوم، بغية اقناعه بأن عمليته نجحت وانّ عليه ان يتوقف عند هذا الحد، يشير أحد مسؤولي الحزب الى ان هذه الرواية، إن صحت، هي إهانة كبيرة للحكومة والجيش الاسرائيليين، «لأنها تعكس خوفهما من المواجهة مع المقاومة واستعدادهما للتلطي خلف اي مبرر قد يسمح بتجنبها، حتى لو تم ذلك على حساب سمعتهما وصدقيتهما».