د. عصام نعمان
لم تنتهِ بعد جولة الايام الثمانية (الضاحية – افيفيم) بين “اسرائيل” وحزب الله . ما صدر عن بنيامين نتنياهو والسيد حسن نصرالله يؤكد ان صولات وجولات ستعقب الصراع المتوقّد بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة من جهة وحزب الله وسائر اطراف محور المقاومة من جهة اخرى.
نتنياهو اعلن في اول جلسة لحكومته بعد الجولة الاخيرة تحديد ثلاثة اهداف للجيش والأجهزة الامنية الإسرائيلية : “وقف المشروع النووي الإيراني ، منع ايران من تزويد اعدائنا بسلاح دقيق يشكّل خطراً علينا ، ومنع تموضع ايران واذرعها عند حدودنا .”
مصدر امني رفيع (اكدت مصادر إعلامية اسرائيلية مطلعة انه نتنياهو نفسه بصفته وزيراً للدفاع) فسر الترتيب الآنف الذكر بأن رئيس الحكومة “امر بتغيير سلم الاولويات التي تتعلق بمواجهة ايران ، ذلك ان البرنامج النووي الإيراني يبقى على رأس سلم الاولويات ، لكن بعده في المرتبة الثانية يأتي هدف وقف مشروع الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله ، وبعد ذلك فقط يأتي منع ايران من التموضع العسكري في سوريا ولبنان والعراق واليمن وغيرها”.
مصدر امني اسرائيلي آخر رفيع المستوى قال لصحيفة “يسرائيل هَيوم” (2019/9/3) المقرّبة من نتنياهو “إن اسرائيل باتت تعتبر مشروع الصواريخ الدقيقة لمنظمة حزب الله اكبر تهديد لها، يليه المشروع النووي الإيراني ، ثمّ منع التموضع العسكري الإيراني في كلٍّ من سوريا ولبنان والعراق واليمن “.
لماذا رفّعت “اسرائيل” حزب الله الى مرتبة تهديد أعلى من ايران او يليها في الخطورة على الاقل ؟
المصدر الامني الإسرائيلي المشار اليه هو نفسه مَن اجاب عن هذا التساؤل بقوله : “إن “اسرائيل” لا يمكنها ان تسلّم بوضع تكون فيه محاطة بآلاف الصواريخ الدقيقة ، وهو ما يجعل اي منطقة في البلد في مرمى هذه الصواريخ”.
هذا التفسير يبدو منطقياً كون لبنان ، حيث صواريخ حزب الله الدقيقة، قريب جداً من “اسرائيل” في شمال فلسطين المحتلة ، وفي قطاع غزة جنوبيّها ، حيث من المتوقع ان تتزوّد فصائل المقاومة بصواريخ دقيقة ايضاً على مقربة من قلب “اسرائيل” في الوسط ، فيما ايران تبعد عن الكيان الصهيوني مئات الآف الكيلومترات .
الى ذلك ، اتهمت “اسرائيل” حزب الله ، بعد الجولة الاخيرة ، بإنشاء مصنع للصواريخ الدقيقة قرب قرية النبي شيت في سهل البقاع شرقيّ لبنان ما يرقى الى محاولة ردّ على السيد نصرالله الذي كان اكدّ ان الحزب لا يملك البتة معامل لتصنيع الصواريخ الدقيقة ، ولو كان يملك مثلها لكان اعلن ذلك بإعتزاز وفخر.
إلامَ تشير كل هذه الإتهامات ؟ الى غاية واحدة هي ان حكومة نتنياهو العدوانية لن تتوقف عن مواجهة المقاومة اللبنانية براً وبحراً وجواً ، وان الجولة الاخيرة بين الطرفين ستعقبها جولات اخرى .
حزب الله سيردّ قطعاً على الاعتداءات الإسرائيلية المقبلة . امينه العام، قائد المقاومة ، اعلن في آخر خطاب له : “اذا إعتديتم ، فإن جنودكم ومستعمراتكم في عمق العمق ستكون ضمن اهداف ردّنا ، وليس هناك خطوط حمر في الدفاع عن لبنان”.
إذ يبدو لبنان والمنطقة مقبلين على جولة صراع ساخنة ، تحركت واشنطن لإحتواء الأزمة بإيفاد السفير ديفيد شنكر بوصفه الوسيط الاميركي الجديد في ملف ترسيم الحدود بين لبنان و”اسرائيل” بعد تسلّمه الملف من سلفه السفير ديفيد ساترفيلد. شنكر سيسعى الى ايجاد تسوية لهذا الملف بعدما أصرّ لبنان على ربط الحدود البرية والبحرية في المحادثات وذلك خلافاً لموقف “اسرائيل” الداعي الى حصر البحث بالحدود البرّية فقط .
من الواضح ان ما تسعى اليه واشنطن هو محاولة ايجاد تسوية لمشكلة ترسيم الحدود بغية تنفيس الإحتقان بين الطرفين في هذه الآونة العصيبة التي في سياقها جرت الجولة الاخيرة من الصدام المسلح . غير ان ما يجعل مهمة شنكر بالغة الصعوبة ان رؤساء الجمهورية ومجلس النواب وغالبية الكتل البرلمانية ناهيك عن معظم الهيئات الشعبية والقوى الوطنية والديمقراطية تقف موقفاً موحداً عنوانه الأبرز حق لبنان في الدفاع عن نفسه في وجه الإعتداءات الإسرائيلية .
وعليه ، من المشكوك فيه ان لدى واشنطن مخرجاً نوعياً لإبعاد المنطقة عن سطح الصفيح الساخن الذي تقف عليه هذه الايام …