الرئيسية / مقالات / بائعة الكبريت… ماتت حُزناً وليس برداً!

بائعة الكبريت… ماتت حُزناً وليس برداً!

ما اشبهنا اليوم، بفتاة بائعة الكبريت المتعبة، التي جلست تأوي نفسها في زاوية باردة، فراحت تدفئ يديها بأضواء الكبريت… أخذت بإشعال أحلامها الواحد تلو الآخر..

بدأ حلمها الأول في العود الأول وبعد أن انطفئ، قامت بإشعال الآخر، تخيلت بهم الدفئ والسلام والآمان، لكن ما هي إلا ثواني، حتى كانت أحلامها تنطفئ الواحد تلو الآخر …

قامت بإضاءة أحلامها، رغم أنها كانت تعلم ان أعواد الكبريت، ستنطفئ، وستنطفئ معها كل الآمال والأحلام التي رودتها مع إضاءات الكبريت…

جاء الموعد الأخير، وصلت لآخر ضوء للكبريت، لآخر عود، لأخر حلم، وبنهايته.. انتهت أحلامها وآمالها ونفذ الكبريت… فاستسلمت للحزن واليأس قبل البرد واسلمت الروح للدفئ والطمأنينة…

لكن يا ترى، هل أن بائعة الكبريت ماتت برداً، أم ماتت حزناً على إنطفاء أحلامها؟

فلعلنا اليوم في أقرب صورنا لوطنٍ، ضعيف، هزيل، كفتاة صغيرة منهكة ومتعبة، تخاف العودة إلى منزلها خاوية، لديها حزمة آمال تعصف بها الرياح القاسية، فتمنع عود الكبريت من الإضاءة، وبالتالي يطفئ الحلم قبل ولادته، وتمنعه من العيش والصمود …

يا ليت تلك الصغيرة المنهكة حاولت جمع الأعواد المتفرقة، وجعلت منها حزمة قوية صلبة متماسكة…

يا ليت تلك الصغيرة المتعبة، أشعلت الحزمة دفعة واحدة، لعلها أذابت الثلج، وطال الضوء وبصرت طريقها نحو الغاية…

فمتى نتعلم وندرك أن في التفرقة ضعف، وأن الوطن يقوى عندما نكون حزمة صلبة واحدة؟

متى ندرك أن أحلامنا واحدة، وبدايتنا واحدة، وطريقنا نحو نهايتنا واحدة؟؟

متى ندرك أننا كحزمة أعواد الكبريت، متفرقين ضعفاء، لكن وحدتنا تشكل أكبر خطر، وتهديدٌ بحريق، يقتل الوباء وينصرنا على الأمراض الخبيثة المستعصية…

فياليتنا تعلمنا من بائعة الكبريت، أن الأحلام المتفرقة لا تنتج حاضر، بل أن أحلامنا الموحدة المتماسكة، تنتج مستقبل مضيء ساطع..

وهنا حقاً نصل إلى يقين حزنها العميق المبعثر..

فنرى أن بائعة الكبريت.. ماتت حُزناً على أحلامها الضائعة، وليس برداً…

أ. ندى الصباغ..

شاهد أيضاً

قصّة إنهيار البورصة العالمية وارتباطها بالتحديات الجيوسياسية

  إستفاق العالم على خبر إنهيار في البورصات العالمية، نتيجة الخوف المستجد من تباطؤ الاقتصاد …