البروفسور فريد البستاني
حزب “القوت اللبنانية” له حضور تاريخي في الساحة المسيحية، وهو شديد التنظيم، خاض سنوات من العمل محظوراً وبقي خارج المجلس النيابي والحكومة لكن، فاعلاً وكبيراً. ولحزب “القوات” آراء ومواقف من كل القضايا المطروحة على الساحة السياسية الداخلية والخارجية وعلى الساحتين الإقتصادية والمالية.
حزب “القوات” الممثل بكتلة نيابية وازنة، إستند إلى هذا التمثيل لضمان مشاركة حكومية تعادل حضوره النيابي وتزيد. وبعد شهور من المشاركة في الحكومة الحالية، بدأ يعتبر عهد الرئيس العماد ميشال عون عهداً فاشلاً ، ولا يملك رؤى ومقاربات لكل القضايا تلاقي نظرة “القوات” في أي قضية، من الشأن الإستراتيجي إلى تفاصيل التعيينات، وما بينهما من إدارة شؤون السياسة والإقتصاد.
حزب “القوات” يعتبر أنّ مشكلة لبنان هي بمواقف وسياسات “التيار الوطني الحر” ورئيسه الوزير جبران باسيل، ولا يجد معه سبيلاً للتلاقي والحوار والتوافق.
وهو وصف بالخيانة موقفي رئيسي مجلس النواب والحكومة من تعيينات المجلس الدستوري التي أخفقت “القوات” في الحصول على نصيب منها، ويتعامل مع وجود ومواقف “حزب الله” كمشكلة كبرى للبنان ومصدر خطر على إستقراره، ويمتعض من مصالحة بعبدا التي رعاها رئيس الجمهورية بين ركني الطائفة الدرزية، ويمتعض أكثر من لقاء اللقلوق بين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ورئيس كتلة “اللقاء الديمقراطي” النائب تيمور جنبلاط.
حزب “القوات اللبنانية” متمسّك بأنّه الوحيد الذي يمثل السياسة الوطنية النظيفة بين الأحزاب اللبنانية، ويرى لبنان مزرعة في نظر الآخرين، ودولة في نظرته وحده، ويتبنّى كل المؤشرات السلبية التي تأتي من هيئات ومؤسسات دولية حول الوضع الإقتصادي ليجعلها مادة لنشر اليأس وتعميم الإحباط، ويتجاهل كل إشارة إيجابية ويستخف بها ويسخّف معانيها، ويصفها بالدعائية والترويجية، متمسّكاً بنظرة سوداوية لحال البلد في ظل قيادة رئيس الجمهورية ودور وحجم “التيار الوطني الحر” مسيحياً ولبنانياً وخارجياً ونيابياً وحكومياً ومجتمعياً.
كلّ هذا في ظل إصطفافات وتحالفات يقع التيّار في صلبها، بل يمسك بخيوطها، وتعكس الأغلبية النيابية والحكومية والشعبية، وهي متوافقة على خطوط عريضة تخالفها القوّات وحدها، هذا التوافق الشامل في كل شيء يبدو بين حدّين منضبطين بدقّة تخطّت المطبات والأزمات، حداً أعلى هو رسم سياسات وصياغة تفاهمات، وحداً أدنى هو تنظيم خلاف وإدارة اللاإتفاق. وحزب “القوات” يصف التفاهمات بالصفقات والمحاصصة وإدارة الخلاف بالجبن والخيانة.
السؤال الذي يجب أن يُطرح بقوة على “القوات” قيادة ومحازبين وجمهور، هو لماذا تبقى القوات ويبقى وزراؤها في الحكومة والأهم، ماذا تفعل في الحكومة؟
“القوات” وفقاً لمنظورها تتضرّر كثيراً من بقائها في حكومة فاشلة وفاسدة، كما تصفها. والحكومة في المقابل مصابة بالإنهاك والإشغال والإرباك بسبب وجود شريك في تكوينها وبين صفوفها، مهمته الوحيدة النقد المحكوم بالتشكيك واليأس وإستثمار غير مجدٍ للوقت والجهد.
المطلوب أن تقتنع “القوات” بأنّه آن أوان خروجها من الحكومة بما ومن تمثل، لأنّه عمل وطني وديموقراطي كبير، سيقدّم للبنان نموذجاً حيوياً للحياة السياسية.
كما على ضفة مقابلة، يوجد الثنائي الشيعي المتفق على كل شيء تقريباً، يستطيع “التيار” و”القوات” تقديم نموذج ديموقراطي حضاري لكيفية التنافس بين حزب مسيحي ووطني كبير يقود الأغلبية النيابية من موقعه في الحكومة ويحظى بدعم رئاسة الجمهورية، ويقابله حزب مسيحي كبير يقود المعارضة في مجلس النواب والمجتمع، لأنّ “التيار” و”القوات”، في نظرها، يختلفان على كل شيء.
دور المسيحيين في لبنان كان دائماً ويجب أن يبقى تقديم نماذج جديدة وشجاعة لدفع التجربة الديموقراطية خطوة إلى الأمام. وها هي اللحظة تنادي “القوات” لهذه المهمة التاريخية، ليُكتب لها قيادة اول معارضة برلمانية ديموقراطية. ولعلّ ذلك في سجل “القوات” سيكون أعظم مهمة وطنية تؤدّيها للبنان وإنتظام تجربته الديموقراطية وحياته السياسية السليمة.
إن لم تفعل “القوات” فهذا سيعني أنّها تعلقت بجنة السلطة وما عادت قادرة على العودة إلى صفوف النضال السياسي والشعبي وتحمّل تبعات مغادرة الحكومة، وتلك مصيبة، أو أنّها تعتزم بعمق إعتبار وجودها في الحكومة مرتبطاً بمهمة واعية ومخطط لها عنوانها التعطيل والإفشال، والمصيبة أعظم.
الجمهورية