كتب محمد بلوط
كادت أزمة المحروقات ليل أول امس تشعل شرارة انفلات الشارع المأزوم اصلا من الاوضاع الاقتصادية المتردية ومن التلاعب بسعر الدولار.
لم يكف اللبنانيين القلق الشديد الذي ينتابهم جراء الوضع الاقتصادي المتأزم، حتى جاءت اللعبة بالدولار وملحقاته.
وبعد تفاقم الاوضاع ليلا نشطت الاتصالات لا سيما من قبل رئىس الحكومة سعد الحريري الذي اعطى موعدا لكل المعنيين بقطاع المحروقات من شركات استيراد واصحاب صهاريج ومحطات وقود بعد ظهر أمس، وترافق ذلك مع فشل نجاح الاضراب وعدم مشاركة القسم الاكبر من المحطات به ما اضطر النقيب سامي البراكس لتعليق الاضراب ثم الاعتراف لاحقا بعد لقائه الحريري بأنه تسرع بالقرار.
هكذا تحول صباح امس الى مشهد آخر، مشهد طبيعي وكأن شيئاً لم يكن. وشهدت محطات الوقود حركة طبيعية برّدت الاجواء نسبيا باستثناء حصول اعمال قطع طريق من قبل بعض الشبان والمواطنين احتجاجا على الاوضاع في بعض المناطق.
وبعد الاجتماع مع الرئيس الحريري اعلن البراكس وممثل شركات موزعي المحروقات فادي ابو شقرا التوصل الى حل يقضي بأن يتسلموا المحروقات بالعملة اللبنانية. كما اعلن رئىس تجمع مستوردي النفط جورج فياض ان الرئيس الحريري طمأنهم بالتوصل الى حل وآلية عمل عليها مصرف لبنان سيطلعهم عليها ويصار الى تطبيقها.
وبالمحصلة فان ازمة المحروقات قد طويت لكن ازمة الدولار بقيت مصدر قلق للبنانيين، خصوصا في ظل ما يحيطها من التباسات وما نجم وينجم عنها من تداعيات.
وحسب المعلومات المتوافرة من مصادر مطلعة فان اتصالات جرت على ارفع مستوى بعد عودة رئيس الجمهورية ميشال عون من نيويورك صباح أمس للتعامل مع هذه الازمة وتخفيض منسوب القلق الذي احدثته وتحدثه.
وتقول المعلومات ان هناك نوعا من خطة العمل للتعامل مع المستجدات المتعلقة بهذه الازمة تستند الى التأكيد بان ما يجري في السوق بالنسبة للدولار لا يرتبط او يعكس أبدا اي اهتزاز لوضع الليرة الذي اكدت مراجع بارزة انه مستقر وطبيعي.
اما العنصر الثاني فهو العمل من اجل حفظ الاستقرار والامن وضبط الشارع تفاديا لأي تطورات قد تؤدي الى فوضى، خصوصا ان هناك نقمة متزايدة من قبل المواطنين بسبب الاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وهناك دعوات للتظاهر ومنها يوم غد الاحد.
كما علم ايضاً ان هناك توجها لدى المسؤولين لطمأنة المواطنين وتخفيف القلق لديهم والعمل على اشاعة اجواء الثقة لأن جزءا من الازمة ناجم عن هذا القلق الذي يترجم بالتهافت على الدولار.
وفي هذا السياق وقبل ان تطأ قدمه أرض المطار عائداً من نيويورك اعلن الرئيس ميشال عون «ان ليس هناك اي خطر على لبنان»، وقال بلهجة شديدة «لن أترك لبنان يسقط ولا بدّ من تعاون الجميع لمعالجة الاوضاع القائمة».
وعن ازمة الدولار قال: «هناك بعض الضغوطات الخارجية وهي ليست جديدة، وقبل اطلاق اي موقف يجب التريث لتبيان الحقيقة بهذا الخصوص ولا سيما في أزمة الدولار».
وعن الوضع المالي وموضوع الدولار قال «انا كنت في نيويورك، اسألوا المعنيين. هناك مسؤول عن النقد وهو حاكم مصرف لبنان، وهناك مسؤول عن المال، هو وزير المال. انا لست على علم بما حصل خلال غيابي عن بيروت».
ونقل عن الرئيس بري في هذا المجال ايضاً انه يجب مواصلة العمل في اطار استكمال مناقشة الموازنة ومشاريع القوانين الاصلاحية لاحالتها الى المجلس في الموعد الدستوري.
كما ان على الجهات المعنية ضبط الوضع في ما يتعلق بموضوع الدولار، ووضع حد للتلاعب به.
اما الوزير جبران باسيل فقال في احتفال في كندا: «صحيح ان هناك مسؤولية على الدولة لكننا نتعرض لضغط خارجي سواء في اقتصادنا او عملتنا اللبنانية. وهناك شركاء في الداخل يتآمرون على البلد واقتصاده».
واضاف: «كل ما يحصل هو محاولات لتفكيكنا من الداخل، واقول لكم نعم اننا نمر بايام صعبة لكننا سنفشل المؤامرات والفتن التي تحاول مس ليرتنا واقتصادنا».
وربطت مصادر سياسية ما جرى ويجري بنتائج مساعد وزير الخزانة الاميركية لبيروت، مشيرة الى ان التلاعب بسعر الدولار وسحبه من السوق يندرج في اطار الضغوط التي تمارسها واشنطن على لبنان تحت عنوان محاربة «حزب الله» ومحاصرته.
وسخرت المصادر من القول بان تهريب الدولار الى سوريا هو سبب الازمة، متسائلة لماذا فجأة حصلت هذه الازمة وهل تبخرت الدولارات بهذا الشكل بفعل التهريب الى سوريا؟
ورأت المصادر ان مثل هذا الكلام هو بمثابة ذر الرماد في العيون وان الحقيقة هي ان الادارة الاميركية تحاول اليوم ان تمارس المزيد من الضغط بواسطة موضوع الدولار لانها تستند الى هذه الاستراتيجية التي بدأتها منذ فترة.
ورغم ذلك اكدت المصادر «ان انهيار لبنان ممنوع»، وان واشنطن تدرك هذا الامر قبل غيرها لاعتبارات عديدة تبدأ بمخاطر الانفجار الذي سيحدث لا سمح الله وتنتهي بالتداعيات المتعلقة بقضية النازحين السوريين وخطرهم على اوروبا واميركا.
من جهة اخرى تباينت الاراء حول ما يجري الحديث عنه مؤخراً بشأن تغيير الحكومة.
وقالت مصادر سياسية مطلعة ربما اذا استمر الوضع المتعلق وزادت نسبة عدم الثقة بالحكومة الحالية فان هناك حاجة لاحداث صدمة ايجابية من خلال تشكيل حكومة جديدة، لكن هناك صعوبات ومعوقات تحول دون امكانية تحقيق التغيير، وابرزها ان الاطراف السياسية الاساسية لا تفكر بمثل هذه الخطوة في الوقت الحاضر.
ثانياً ان ايجاد حكومة بديلة امر غير متيسر حتى اشعار آخر، عدا عن ان تشكيل الحكومة الجديدة ربما يحتاج لسنة او اكثر وهذا الامر لا يقبل او يسمح به العهد.
على صعيد آخر وصف الرئيس نبيه بري خطاب الرئيس عون في نيويورك بأنه جيد منوهاً بموقفه المتعلق بقضية النازحين السوريين والحوار مع سوريا.
وقال لـ«الديار»: انا مع فخامة الرئيس عون بهذا الموقف وهو موقفي من زمان، وقد اكدت عليه مراراً.
وعلم انه صودف خلال ورود خطاب عون ان كان الرئيس بري مجتمعاً بالمنسق المقيم لانشطة الامم المتحدة في لبنان فيليب لازاريني بحث معه موضوع النازحين السوريين.
وقد اكد له انه باستطاعة الامم المتحدة ان ترسل المساعدات الى السوريين في بلدهم، ولماذا لا يحصل حوار مع دمشق في هذا المجال؟
ورداً على سؤال حول امكانية الحوار بين الحكومتين اللبنانية والسورية حول النازحين قال بري: «نعم لمَ لا؟ هناك طرق عديدة ويمكن طرح الموضوع في مجلس الوزراء، ويستطيع الرئىس الحريري ان يتحفظ ولا يذهب الى دمشق، لكن يمكن ان يذهب غيره ويحاور المسؤولين في الحكومة حول هذه القضية بما يضمن مصلحة البلدين».