تاريخ 1/4/2019
هل من خيار غير المقاومة ؟
د. عصام نعمان
سيطرت “اسرائيل” ، وما زالت ، على القدس الشريف والجولان السوري منذ حرب 1967 . ماذا تغيّرَ في هذا الواقع بعد اعتراف ترامب بسيادة “اسرائيل” عليهما ؟ خمسة متغيرات :
أولها ، إعتبار رئيس كبرى دول العالم إدعاءَ “الدفاع عن النفس” مسوِّغاً كافياً لفرض دولةٍ سيادتها على ارضٍ محتلة تعود لدولة اخرى . فعلةُ ترامب هذه محاولة غير مسبوقة لفرض “الدفاع عن النفس” عنوةً كمكوّن لمفهوم السيادة في القانون الدولي .
ثانيها ، إعتبار ترامب ان التقادم ، بمعنى مرور الزمن ، مسوَّغاً لفرض دولةٍ سيادتَها على ارضٍ تحتلها يُشكّل مخالفةً مدوّية للقانون الدولي، يمكن بعدها ان تتذرع “اسرائيل” بسيطرتها منذ 1967 على الضفة الغربية لتسويغ سيادتها عليها . مع العلم ان “اسرائيل” تعتبر ان اعترافَ ترامب بسيادتها على الجولان السوري يتضمن شموله منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية لمجرد ان الجيش السوري كان موجوداً فيها عشيةَ حرب 1967 ما يجعلها ، في نظرها ، جزءاً من الجولان المحتل !
ثالثها ، انهى اعتراف اميركا بسيادة “اسرائيل” على القدس الشريف ، ودعمها للإستيطان الصهيوني لمناطق الضفة الغربية دورَها “كوسيط نزيه” بين الفلسطينيين و”اسرائيل” ، بل أنهى الحاجة الى المفاوضات اذ لا يبقى هناك من شيء للتفاوض بشأنه !
رابعها ، تعزيزُ اتجاه بعض دول الخليج الى تطبيع علاقاتها مع “اسرائيل” تمهيداً للإعتراف بها بدعوى ان ايران أصبحت “الخطر الاول” على الامة. في هذا السياق ، دعا وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية انور قرقاش الى تحوّل استراتيجي بين الدول العربية و”اسرائيل” بغية احراز تقدم نحو السلام مع الفلسطينيين وذلك من خلال اتفاقات ثنائية وزيارات يقوم بها ساسة ووفود رياضية ، مدعياً انه “اذا استمر بنا الحال على النهج الحالي فإن الحوار خلال 15 عاماً سيكون عن المساواة في الحقوق في دولة واحدة” بدلاً من قيام دولة فلسطينية الى جانب “اسرائيل”.
خامسها ، اندلاع ردود فعل شعبية واسعة ضد سياسة ترامب الفاجرة في عدائها لحق الفلسطينيين في القدس ولحق السوريين في الجولان ، وتعاظم التأييد الشعبي لنهج المقاومة وسط تخاذل الأنظمة العربية وعجزها المزمن عن مواجهة الهجوم الصهيواميركي المتصاعد على الارض والموارد والحقوق في طول القارة العربية وعرضها.
صحيح ان ظاهر الحال يؤشر الى غلبة سياسية للولايات المتحدة و”اسرائيل” في صراعهما المحتدم مع العرب ، لكن نظرةً متأنية الى المشهد الاقليمي تشي بحقائق مغايرة . فالولايات المتحدة التي أسهمت بسخاء في دعم تنظيمات الإرهاب الإسلاموي وسهّلت نقل مقاتليها الى سوريا والعراق ولبنان ، منيت بهزيمة نكراء بعدما تمكّن الجيشان السوري والعراقي (كما اللبناني) المدعومين بفصائل مقاومة شعبية ، ابرزها حزب الله ، من دحر هذه التنظيمات في شرق لبنان وجميع المحافظات السورية بإستثناء ادلب، وجميع المحافظات العراقية بإستثناء جيوب محدودة في محافظتي ديالي والأنبار ما دفع ترامب الى استئخار سحب قواته لزجّها مجدداً في عمليات عسكرية وامنية بغية اعادة تأجيج الحرب الذاوية في الأقطار الثلاثة بالتعاون مع استخبارات دول اوروبية .
صحيح ان “اسرائيل” نجحت في ضرب حصار شديد الوطأة على قطاع غزة ، لكنها اخفقت في كسر فصائل المقاومة او احتوائها . بالعكس ، ها قد نجحت المقاومة في تنظيم مسيرة مليونية على طول السياج الفاصل بين القطاع والمستعمرات الصهيونية في محيطه كما في سائر مناطق الضفة الغربية ، مقدّمةً الدليل الساطع على قدرتها التعبوية الفاعلة وعلى تجاوب الشعب الفلسطيني مع نهجها المقاوم. اكثر من ذلك ، نجحت فصائل المقاومة في الضغط على حكومة نتنياهو القلقة على امن الانتخابات المقررة في 9 الشهر الجاري وحمْلها على تقديم جملة تنازلات ولاسيما لجهة : وقف الاعتداء على الاسرى الفلسطينيين في السجون ؛ وقف الإعتداءات في الضفة الغربية ؛ تسهيل قيام قطر بدفع مبلغ 30 مليون دولار شهرياً موزعة على العائلات الفقيرة ؛ فتح المعابر ؛ تأمين السولار لتشغيل محطة توليد الكهرباء في غزة حتى نهاية العام 2019 ؛ تزويد القطاع بـ 120 ميغاواط من خط كهرباء 161 الإسرائيلي ؛ اقامة منطقتين صناعيتين شرقي مدينة غــزة وغرب معبر بيت حانون ؛ اقامة مشفى لعلاج السرطان على نفقـة بعض المؤسسات الدولية ؛ إدخال ما بين 1100 و 1200 شاحنة بضائع يومياً الى غزة .
كل هذه التنازلات قدّمتها “اسرائيل” دونما ايّ إشتراط او مساس بسلاح فصائل المقاومة او بحرية حركتها وذلك لحاجتها الماسة الى تهدئة ثابتة لمناسبة إجراء الإنتخابات.
ماذا يمكن استخلاصه من مجمل المتغيرات الاميركية والتنازلات الاسرائيلية ونهج فصائل المقاومة في التعامل مع العدوان الصهيواميركي ؟ ثمة حقائق ثلاث:
اولاها ، ان النظام الاقليمي العربي المترهّل ، بمعظم أنظمته المتخاذلة ، وقمم رؤسائه السنوية وجامعته العربية المشلولة ، بات عاجزاً في المطلق عن مواجهة التحديات والمخاطر والحروب التي عصفت بلبنان وسوريا والعراق وليبيا والسودان واليمن ، وتوسع الإستيطان الصهيوني ، وشنّ الحروب الإرهابية على معظم البلاد العربية بقيادة الولايات المتحدة ومن ورائها “اسرائيل”. لا يمكن بل لا يجوز ، والحال هذه ، الركون الى الأنظمة والحكومات والمؤسسات العاملة في إطار هذا النظام المترهل والآيل الى السقوط او الرهان عليها .
ثانيتها ، إن نهج المجاملة والمساومة والمفاوضة والمراوغة الذي اعتمدته الأنظمة العربية المتعاونة مع الولايات المتحدة او المستتبعة لها أخفق بإمتياز ما يجعل نهج المقاومة هو الخيار الوحيد الباقي والمتاح امام القوى الوطنية والنهضوية الحيّة في الأمة ، وان فصائل المقاومة العربية الملتزمة هي المؤهلة والقادرة على قيادة نضال موصول من اجل التحرير والعودة في فلسطين ، والحرية والوحدة الوطنية والديمقراطية وحكم القانون والعدالة والتنمية في سائر الأقطار العربية . لقد أثبتت فصائل المقاومة الناشطة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن انها تُحسن التصدي لقوى العدوان ومواجهتها بصلابة بدليل نجاح حزب الله في دحر العدوان الصهيوني على لبنان في العام 2006 ، وفي دحر التنظيمات الارهابية في سوريا بالتعاون مع جيشها منذ العام 2013 ، ونجاح الحشد الشعبي في العراق بدحر “داعش” وحلفائه منذ العام 2016 ، ونجاح “انصار الله” في اليمن في دحر العدوان الذي تشنّه اميركا والغرب الاطلسي بالتعاون مع حكومات وشركاء إقليميين . اخيراً وليس آخراً ، نجاح فصائل المقاومة في قطاع غزة ، بإعتراف قادة العدو ، بكسر منظومة الردع الصهيونية واضطرار حكومة نتنياهو تالياً الى تقديم تنازلاتٍ لافتة لها.
ثالثتها ، ان التحوّلات الكبرى في تاريخ الامم لا تكتمل في سنة او سنتين، او في جيل او جيلين ما يستوجب تحلّي قوى المقاومة ، قادةً ومقاتلين ومناضلين ، بنَفَس طويل وبتخطيط استراتيجي متطور ، وبقدرة على اختيار الحلفاء وتحديد الاعداء ، وبحنكة للإستفادة من الظروف والفرص المؤاتية لتوقيت التحركات والأنشطة المطلوبة . في هذه المرحلة تحديداً يُستحسن ان تتحالف قوى المقاومة العربية مع ايران كون الطرفين يتشاطران الكفاح ضد عدوين مشتركين هما الولايات المتحدة و”اسرائيل”. هذه الشراكة الإستراتيجية تمكّن قوى المقاومة من الإستفادة من منجزات ايران في صناعة الصواريخ وتكنولوجيا المعلومات والتواصل السيبراني.
هل من خيارٍ غير المقاومة ؟