كتبت بولا مراد في الديار: لا يختلف اثنان على ان الايام التي تفصلنا عن مطلع العام الجديد هي بمثابة «وقت مستقطع» قبل الوصول لنقطة الارتطام. فالسقوط الحر الذي نحن فيه منذ مطلع العام الماضي قارب على نهايته رغم كل محاولات القوى السياسية اطالة أمده لعلمها بأن مصيرها ومصير كل شيء في هذا البلد سيكون في لحظتها على المحك.
وليس تأخير البت بموضوع ترشيد او وقف الدعم، الا محاولة يائسة من قبل هذه القوى لتأخير «الانفجار» المقبل لا محال. اذ تتخوف مصادر سياسية من ان يكون الترشيد القشة التي ستقسم ظهر البعير، او بمعنى آخر الشرارة التي ستؤدي لانفجار «ثلاثي الابعاد»، سياسي- اقتصادي- اجتماعي، لافتة الى انه وبما يتعلق بالاول، فهو سينتج عن وصول المشاورات الحكومية الى حائط مسدود، باعتبار ان الرئيس المكلف سعد الحريري الذي تجنب طوال الفترة الماضية قطع شعرة معاوية مع رئيس الجمهورية، رغم وصول التصعيد بين فريقيهما السياسيين خلال الاسابيع الاخيرة الى مستوى غير مسبوق، لن يتردد بتسمية الامور بأسمائها بعد العيد، كما يؤكد قياديون في تيار «المستقبل»، ما يعني انفجار الازمة السياسية مع دخول الملف الحكومي عمليا في نفق مظلم قد لا يكون نهايته موعد الانتخابات النيابية المقبلة.
ويمهد الانفجار السياسي تلقائيا لانفجار متجدد للازمة الاقتصادية- المالية، ما يعني ارتفاعا اضافيا في سعر صرف الدولار، مزيدا من الاجراءات المشددة في المصارف التي بدأت تطال حتى الحسابات بالليرة اللبنانية، وصولا لانفلات كلي مع مخاوف من عدم القدرة حتى على تسديد رواتب موظفي القطاع العام، لأن لا حكومة يعني لا احياء للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وبالتالي لا دولارات تضخ في السوق المحلية لاعادة تحريك عجلة الاقتصاد.
ولعل الاخطر من هذا كله، هو الانفجار الثالث الذي سيكون نتيجة الانفجارين الاولين، الا وهو الانفجار الاجتماعي، الذي يظن البعض انه يمكن تفاديه بتوزيع مؤن غذائية على العائلات الاكثر فقرا او حتى بوقت لاحق بتوزيع بطاقات تمويلية على عدد من هذه العائلات، من دون الاخذ بعين الاعتبار ان الارقام الحديثة تقول ان 60 % من اللبنانيين انحدروا الى ما دون خط الفقر، ما يعني استحالة تأمين بطاقات لمئات الآلاف في ظل غياب المساعدات الخارجية واقتراب الاحتياطات لدى مصرف لبنان من النفاد.
وتنبه مصادر وزارية معنية من ان اي انفجار اجتماعي مقبل لن يكون حصرا نتيجة ارتفاع اعداد الفقراء والمعوزين بين اللبنانيين، انما وبشكل اساسي نتيجة تحول القسم الاكبر من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان الى الفقر المدقع مع ترشيد او رفع الدعم، باعتبار انهم اصلا فقراء قبل كل هذه الازمات اللبنانية. وتشير المصادر الى ان 93 % من النازحين السوريين هم حاليا تحت خط الفقر، فيما تتجاوز النسبة لدى الفلسطينيين الـ 70 % والـ 60 % لدى اللبنانيين. ويوضح المصدر ان نحو 250 الف سوري في لبنان لا يستفيدون من اي مساعدة لا من الامم المتحدة ولا من اي طرف آخر، ما يجعلهم عاملا مساعدا لاي انفجار اجتماعي.
وبعكس كل ما تم تسريبه مؤخرا عن تلقي النازحين السوريين مساعدات اممية بالدولار الاميركي، ما اثار غيظ عدد كبير من اللبنانيين، تنفي مصادر مفوضية اللاجئين الامر جملة وتفصيلا مؤكدة ان النازحين يعانون كما اللبنانيين من اجراءات المصارف اللبنانية وبالتالي لم يحصلوا على دولار واحد منذ قرار هذه المصارف حصر السحوبات بالليرة اللبنانية.
ويؤكد كل ما سبق ان ما نحن مقبلون عليه قد يكون أسوأ من كل ما شهدناه خلال عام 2020 خاصة في ظل عدم استشعار المسؤولين عن هذه الازمات بفداحتها وبأن مواصلة رفع السقوف سيؤدي الى انفجار امني لن يتمكن احد من استيعابه متى حصل في ظل تداخل العوامل والعناصر الداخلية والخارجية التي تحول الساحة اللبنانية ارضاً خصبة للفوضى! فكل الاستعدادات الامنية والسياسية التي بدأت فعليا لمحاولة التخفيف من وطأة ما هو مقبل، قد لا تنفع مع عدم امكانية توقع مكان او زمان او حتى شكل الانفجار الكبير!