كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
أبعد من مشكلة سياسية عابرة تلك التي تشهدها طائفة الموحدين الدروز على خلفية فوز شيخ عقل الطائفة الدرزية سامي ابي المنى بالتزكية حديثاً خلفاً للشيخ نعيم حسن الذي انتهت ولايته بعد 15 سنة من تبوئه هذا المنصب. تعدت المسألة كونها مجرد خلاف سياسي بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديموقراطي طلال ارسلان، لتشهد الطائفة وللمرة الاولى ذاك الاختلاف في المواقف بين جنبلاط والهيئة الروحية المؤلفة من كبار المرجعيات الدينية في طائفة الموحدين الدروز يرأسها الشيخ ابو يوسف امين الصايغ وتضم اليه مشايخ من كافة المناطق ممن لهم الكلمة الفصل داخل الطائفة وبت شؤونها الدينية. المتعارف عليه درزياً ان هؤلاء، لا يتعاطون عادة الشأن السياسي ولا يقاربون شؤونهم من وجهة سياسية اللهم الا في حال وجود خطر يتهدد الطائفة فيكون لهم رأيهم بالتنسيق مع السياسيين في سبيل حمايتها والذود عنها وتوحيد صفوفها وقد سجل لهم تدخل مماثل في اعقاب احداث السابع من ايار حيث اعتبر الحدث آنذاك مفصلياً يستدعي تدخل الهيئة الدينية لتقوية موقف الطائفة والالتفاف حول زعيمها.
كان المتفق عليه شفهياً ان تعمد الهيئة الروحية الى تقديم مجموعة من الاسماء غير النافرة يتوافق الزعماء في الطائفة على احدها، ليكون خليفة لشيخ العقل بالتوافق بين القيادات السياسية بعد الوقوف على رأي الهيئة الروحية ليفاجأ الجميع بانقلاب جنبلاط على الاتفاق والتغريد خارج سرب الجميع.
تعود الرواية الى ثلاثة اشهر خلت يوم طرحت مسألة توحيد مشيخة العقل في طائفة الموحدين الدروز وتم الاتفاق بين جنبلاط وارسلان على ترشيح جملة اسماء كفوءة يتم الانتقاء من بينها شرط الا تكون مستفزة او محسوبة على طرف سياسي دون غيره. وبالفعل تم اعداد مجموعة اسماء لم يكن مدرجاً من بينها الشيخ سامي ابي المنى المحسوب على الاشتراكي والمقرب من جنبلاط. وبالفعل تم تقديم لائحة من اربعة اسماء الى جنبلاط لإختيار شخصية من بينها لمشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز. لدى مراجعته بعد اسبوعين على تسلمه اللائحة قال جنبلاط ان الاسماء المقترحة لا تزال قيد البحث من قبله، وبعد شهر قال لمراجعيه لم يتسنَّ لي الوقت بعد لاتخاذ القرار. وبقي الوضع على حاله ليبلّغ جنبلاط بعدها المعنيين رفضه الاسماء الاربعة المقترحة. فسألوه ان يختار بين اقتراحين، فإما ان يطرح اسماً بديلاً ليتم النقاش بشأنه او ان يتم تقديم اسمين جديدين ليتم الاختيار من بينهما، لكنه لم يعر الاقتراح اهمية ومن دون تنسيق مع ارسلان او اي مرجعية دينية طلب من الشيخ سامي ابي المنى التقدم بطلب ترشيحه فيما كانت المهلة القانونية لتقديم طلبات الترشح شارفت على نهايتها. تعاطٍ فسره المعنيون بشؤون الطائفة انه محاولة من جنبلاط لتمرير الوقت فلا يحصل توافق ولا تقديم ترشيحات ليكون ابي المنى هو المرشح الوحيد فيتم انتخابه كأمر واقع.
خطورة الموضوع تمثلت ليس في نقض جنبلاط مبدأ اختيار شخصية توافقية لتوحيد مشيخة العقل وانما في ما يشبه التحدي او تهميش دور الهيئة الروحية في بت امر ديني يدخل في صلب اهتماماتها وكأنه تعمد الضرب بعرض الحائط رأي المشايخ ومشورتهم، والمأخذ الاكبر يسجل على شيخ العقل الجديد الذي لم يقف على مشورة الهيئة الدينية واكتفى بالوقوف على رأي جنبلاط.
وخلال احدى الجلسات الدينية كان جلياً امتعاض الهيئة الروحية والذي عبر عنه بيان باسمهم أصدره الشيخ أبو سعيد أنور الصايغ وقال فيه ان الموقع موقع ديني يخص رجال الدين وحدهم، ولو كان سياسياً لما تدخلنا واعتبر ان هناك عقدة وعلى مسببها ان يسعى الى حلها في اشارة ضمنية الى جنبلاط الذي بات مطلوباً منه درزياً الطلب من شيخ العقل الجديد الاستقالة والاتفاق على اسم توافقي تتوحد من خلاله مشيخة العقل لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي تجعل الطائفة احوج ما يكون الى توحيد صفوفها وليس شرذمة التمثيل.
المعلومات تقول ان جنبلاط حاول تأمين غطاء لشيخ العقل الجديد وبعث الى مرجعية دينية كبرى لها حضورها المعنوي داخل الطائفة طالباً استقبال الشيخ سامي ابي المنى ولكن طلبه قوبل بالاعتذار، ما يعني ان شيخ عقل الطائفة لم يحظَ بمظلة حماية دينية لتكون تلك سابقة فريدة تطرح اكثر من علامات استفهام حول مصير مشيخة العقل من جهة وعلاقة جنبلاط نفسه مع المرجعيات الدينية وهو الذي يستند اليهم في شؤونه السياسية.
الخيارات صارت ضيقة فإما استقالة شيخ العقل المعين حديثاً او طلب موافقة ارسلان على توليه والاستغناء عن الشيخ ناصر الدين الغريب او من سيأتي بعده في سبيل توحيد المشيخة وهذا مستبعد بالنظر لتحميل ارسلان رئيس الاشتراكي مسؤولية تفويت الفرصة في توحيد مشيخة العقل، ما يعني ان الانقسام سيتكرس حكماً مع استمرار استياء الهيئة الروحية من تعمد تخطيها والضرب بعرض الحائط الوعود التي قطعت من اجل التوافق ما يطرح اكثر من علامة استفهام حول وضعية جنبلاط المستقبلية داخل طائفته على ابواب الانتخابات النيابية وقد أصبح مكشوفاً دينياً وهو ما لا قدرة على تحمل تبعاته في ظل الظروف الراهنة.
المعركة هنا ليست سياسية بل دينية تعني وجود شيخ عقل مختَلَف على وجوده حتى من قبل المرجعيات الروحية صاحبة القرار الديني في الطائفة في وقت يبدو فيه جنبلاط احوج ما يكون لتوحيد الطائفة وازالة الالغام من طريق نجله تيمور وتعزيز وضعيته السياسية والدينية. فهل بات جنبلاط مجبراً على التراجع والعودة الى اتفاق على شيخ عقل يسميه رجال الدين ويحظى بتوافق سياسي ام انه سيقرر الخوض في صراع هو الاول من نوعه داخل الطائفة الدرزية؟
مصادر الاشتراكي فضلت عدم الدخول في تفاصيل ما حصل على اعتبار انه بات معروفاً، في حين نفت اوساط المجلس المذهبي الحديث عن اتفاق نقضه جنبلاط في اجتماع خلدة مع ارسلان ورئيس حزب التوحيد وئام وهاب وقالت ان موضوع مشيخة العقل طرح من قبل ارسلان فأبدى جنبلاط استعداده للتوافق لتصله بعد ايام قائمة بستة اسماء من قبل احد المشايخ من غير الممكن التوافق على احدها باعتراف وهاب ذاته، ليقترح جنبلاط حينذاك اسمين يتم الاختيار بينهما هما ابي المنى وفؤاد البعيني فتسلم وهاب الاسمين على امل العودة بجواب من ارسلان ولم يعد.
تنفي هذه المصادر ان يكون شيخ العقل المنتخب بالتزكية من دون مظلة روحية، فبحسبها التوافق قلما يحصل لا سيما بعد صدور قانون تنظيم شؤون الطائفة الدرزية، لتختم قائلة ان تصوير الامر وكأن الهيئة الروحية ضده غير دقيق بالمقابل فهو لا يحظى بتأييد كل المرجعيات الدينية وهذا امر قيد المعالجة بين جنبلاط والهيئة الروحية.