يهوى وليد جنبلاط (المتواجد الآن في الخارج) حزم الامتعة والترحال بعيداً عن الضوضاء والصخب. قضى صيفه لهذا العام متنقلاً بين البلدان الأوروبية سائحاً غير سياسي. يكثر من الزيارات لعلمهِ المسبق أن الأحوال الحالية في بلاد “مرقد العنزة” تحتاج إلى فترات تأمّل في الخارج بعيداً عن “دوشة” المشاكل الداخلية وأصوات المعامل والكسّارات السياسية، أملاً في حياكة المشهد المقبل بهدوء.
اعلان
على سُلّم أجندته المقبلة، روسيا، التي يحج إليه ساعياً إلى تصحيح العلاقة معها بعد فترة جفاء أتت نتيجة الخيارات والمواقف السياسية التي اتخذها “البيك” طوال الفترة الماضية.
يأمل رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي في أن يستعيد أيّام العز مع موسكو. آل جنبلاط اشتهروا بروابطهم وعلاقاتهم الوثيقة مع “الدب الأحمر” زمن حكم “البلاشفة” لأرض “القياصرة”، يأمل في استعادة هذا الدور الذي فقد الكثير من بريقه نظراً لتقلّبات “البيك” الدائمة، من محور إلى آخر، والتي آلت إلى تصنيفه سياسياً لدى الروس على كتف الغرب لا الشرق.
قبل مدّة، راجَ في البلاد خبرٌ عن نية لدى “البيك” لزيارة موسكو وإعادة المياه إلى مجاريها. التسريبات الصحافية حملت الكثير من الاشتياق والعبارات الرنانة والغزل الجارف والجامح تجاه روسيا ودورها، إضافةً للمجاملات حول روابط التاريخ وربما الجغرافية!
فُوجئ السامعون من شدّة البريق الناتج عن قصف الكلمات، وخُيّلَ لبعض السامعين أن من ينطق بتلك المفردات ربما ليس ذات الشخص الذي شنَّ الهجمات على هذه الدولة حين قرّرت التدخّل في الحرب السورية إلى جانب النظام وحمّلها وزر المجازر.
بقاموس “البيك” هناك دائماً تبريرات وهو “الشاطر” بابتداع المخارج. دائماً ما يصنع الفرق، ولا يغدو صعباً عليه طمر سوابقه ولحظات تخلّيه! اعادَ الالتفاف على مواقفه السابقة، وبدأ يحن إلى خبز موسكو، بل ذهب بعيداً مع تسريب أوساطه استعدادات جارية لزيارة العاصمة الروسية ولقاء رأس الدولة الرئيس فلاديمير بوتين!
لكن مهلاً، ليس بوتين ذلك الشخص العادي الذي يُهدي المواعيد. اعتاد المحسوبون على الإدارة الرّوسية ان يمنون النفس بلقاء مع “القيصر الجديد” الذي ما برِحَ العالمون يردّدون مفردات الإجراءات والحواجز التي تحول دون لقاء يحتاج إتمامه في غالبية الأحيان إلى جهود ووساطات، وتجربة الرئاسة اللبنانية خير برهان… فكيف سينجح “وليد بك” حيث فشل الآخرون؟
الرجل يسعى وراء بوتين والإعلام والصحافة المحلية كذلك. بدأت الاستعدادات والتحليلات تنجرف على وقع إيعازات المختارة، ووصلت الأمور إلى حدود درس جدول الاعمال وعرضه على السامعين… والدبلوماسية الروسية آخر من يعلم!
للمصادفة، ان سفارة موسكو في بيروت بدأت وكأنها جاهلة بأمور وطنها! لا تمتلك معلومات حول زيارة يستهلها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى موسكو وعلى جدول أعمالها لقاء مع بوتين! من البديهيات ان تعلم السفارة التي على عاتقها مهمة ترتيب الاجتماعات بمثل هكذا زيارة، وإذا لم تكن تعلم فهناك مشكلة.
حين تسأل مصادر دبلوماسية روسية حول هذه المعلومات، تقف باستغراب وتسأل عن مصدر هذا الكلام، فيبدو واضحاً أنها على غير علم بمثل هذا اللقاء: “نعم، ثمة طلب زيارة مقدمة من قبل السيد وليد جنبلاط منذ لمّدة وكان يخضع للدرس ولكن جدول الزيارة ما زال قيد الاعداد لدى المعنيين في بيروت، ولا نعتقد انه سيلحظ أي لقاء من هذا النوع مع سيادة الرئيس اي بوتين.
بالنسبة للدبلوماسية الرّوسية، ثمّة بروتوكول خاص ينظم الرئاسة الروسية ويرعى مثل هذه اللقاءات. في العادة، الرئيس لا يجالس إلّا رؤساء الدول الكبار أو الرؤساء الذي يحضرون إلى موسكو وفي بالهم عقد اتفاقات، وليس من ضمن نشاطه اجراء لقاءات مجهولة الاهداف السياسية، فما هي الاتفاقات التي سيبرمها جنبلاط لكي يحظى بلقاء من هذا النوع؟
حتى أن الخارجية الروسية، وعلى ذمة زوار موسكو، ليس لديها علم حول اجندة الزيارة “التي لم ترفع مقترحاتها بعد من بيروت”، وغالب الظن أن جنبلاط لم يحجز لنفسه لقاءً مع وزير الخارجية سيرغي لافروف المنشغل هذه الأيام بملفات عدة.
في المقابل، يبقى في اللائحة مستقبلي جنبلاط مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، المكلّف من قبل وزارته تنسيق العلاقات مع الأحزاب اللبنانية.
بهذا المعنى، تصبح زيارة “وليد بك” إلى موسكو المشكوك في حصولها كزياراته إلى باقي الدول الاوروبية، رحلة تضميد جراح على درب الشفاء.
ليبانون ديبايت – عبدالله قمح