ناصر قنديل
– يستطيع جارد كوشنر أن يقول إنه فوجئ بالموقف الفلسطيني الجامع في رفض مشروعه المسمّى صفقة القرن، والذي سخّر في التحضير له سنوات وجوده في البيت الأبيض كصهر ومستشار، ووظف لضمان المشاركة الفلسطينية الجزرة الخليجية والعصا الإسرائيلية خلال هذه السنوات وفشل، لكنه لا يستطيع القول إن هذه المقاطعة الفلسطينية بما تشكل من بداية مواجهة لإسقاط مشروع صفقة القرن، وما استنهض من مواقف مساندة لها عربياً ودولياً، تجعل تفاؤله بمشروعه ومستقبل هذا المشروع في مكانهما، فقد بات واضحاً أن الامتحان الأهم لهذا المشروع قد انتهى، وأن ما سيأتي سيكون أشد إيلاماً، فلن تقوم لهذا المشروع قائمة في فلسطين وبين الفلسطينيين، وما قسمته مشاريع التسوية في صفوفهم وحّدته صفقة القرن، وما ضيّعته السياسات الأميركية التفاوضية من بوصلة بعضهم صوّبته صفقة القرن، والآتي أعظم.
– أمل كوشنر ورفاقه بحرب إسرائيلية تكسر شوكة الفلسطينيين وتجرّهم أذلاء إلى حظيرة صفقة القرن كأمل إبليس في الجنة. فزمان القوة الإسرائيلية يتلاشى وزمان القوة الفلسطينية يتعاظم، ومعادلات الحرب والتهدئة في غزة تكفي للاستنتاج، وانتقال الانقسام من الضفة الفلسطينية السياسيّة إلى الضفة الإسرائيليّة، ومعه تحوّل «إسرائيل» إلى «دولة فاشلة» بقياس عدد من المحللين الأميركيين والإسرائيليين، أمر كافٍ للدلالة على مكمن المأزق ومن يعيشه. فالفشل الإسرائيلي في الحرب والخوف من فواتيرها المتعاظمة، والعجز الإسرائيلي عن دفع فاتورة تسوية يرتضيها الفلسطينيون، يقفان سبباً رئيسياً في صناعة المأزق الإسرائيلي، المتعاظم مع تنامي مصادر القلق الوجودي العائدة لتعافي سورية بغير الصورة التي تريدها «إسرائيل»، وتنامي قوة المقاومة، خلافاً للتمنيات الإسرائيلية، وأفضل التوقعات الأميركية والإسرائيلية عن حال الفلسطينيين وقوتهم هي التعايش مع الستاتيكو القائم وليس السعي لكسره، لأنه قد يكسر عكساً، وتصير المشكلة أكبر وأعظم.
– البعد الفلسطيني من صفقة القرن سقط ولن تقوم له قائمة، ومعه الأبواب مقفلة أمام تسويات يمكن البحث فيها مع سورية ولبنان، مع ما تتضمّنه التعهّدات الأميركية في صفقة القرن وخارجها، بتأييد ضمّ الجولان وتأييد التوطين، ولأن الصفقة تقوم بين فريقين، وهي مسمّاة بصفقة القرن ليس باعتبارها الصفقة المذهلة للقرن الحادي والعشرين، بل يمكن مجازاً الظن أنها سميت كذلك لأنها مشروع صفقة، ومشروع قرن، صفقة تنهي القضية الفلسطينية، وقرن التطبيع مع الخليج، أما وقد سقطت الصفقة فقد بقي القرن. وهذا ما يفسر الإصرار الأميركي على المضي بمؤتمر المنامة حتى بعدما تأكدت مقاطعة الفلسطينيين وعزمهم على الانتفاض بوجهه، وبعدما تأكد أن لبنان والعراق وطبعاً سورية خارج لوائح الحضور المحتمل، فقرن التطبيع يجب أن يغرز في الخليج، وأن يتمّ تسميم الجسد الخليجي بجرثومة التطبيع الخبيثة، وها هم حكام الخليج يحتضنون قرن التطبيع ويخرّون له ساجدين كوثن جاهلي تُقدّم له القرابين.
– كوشنر المهزوم سياسياً، كما معلمه وحماه، يفرح بعدّ الأموال، وبكل صفاقة ووقاحة يتحدث عن مليارات الخليج ويوزعها غنائم ومغانم على مسامع أهله، لكن شعوب المنطقة التي سخر منها كوشنر وحماه ومعلمه، قد اختارت طريقها وحدّدت بوصلتها، وهي اليوم تخطو الخطوة الأولى في المواجهة السياسية بعدما توحّدت الصفوف وبدأ الفرز، بين لائحة الشرف ولائحة العار، وستقول الأيام أن الحق منتصر، والحق حيث فلسطين.